هنالك ظاهرة باتت تنتشر بصورة خطيرة في مجتمعاتنا العربية على وجه العموم والمجتمع العراقي بصورة خاصة ألا وهي انبهار الشباب بالثقافة الغربية وزحف العادات والتقاليد الغربية واندثار التقاليد العربية العريقة.
وذلك من خلال التقليد الغير منطقي لبعض الشباب للغرب من منطلق ما يسمى بالتحضر، حيث يظهر تقليد الغرب من خلال اللباس والطعام والحديث وحتى طريقة الكلام والمصطلحات، وصل التقليد للغة فباتت الكثير من المصطلحات الغربية تتطفل على لغتنا والكثير من الأمور التي تشير إلى خطورة الوضع.
يتساءل الكثيرون عن سبب ميل الشباب إلى تقليد الشخصية الغربية والانبهار بالثقافة الغربية فهل تعتبر الظروف الاقتصادية التي يمر بها المجتمع هي السبب في ما يحدث، أم أنَّ التنشئة الاجتماعية الخاطئة، وغياب الرقابة داخل الأسرة والمدرسة، وافتقاد عنصر التوجيه والإرشاد داخل دور العبادة، كانت سبباً في ما وصل إليه الشباب.. كلّها أسئلة نحاول الإجابة عنها في التحقيق التالي.
غياب الجانب التربوي
أكدت الاستاذة فيماء فايق (مدرسة ثانوية):
إن قلة الوعي والثقافة وعدم مراقبة الأهل هي سبب رئيسي، بعد أن كانت المدرسة تربية وتعليم أصبحت الان فقط تعليم. وقلة وعي أغلب العوائل فصار همهم المظاهر فقط والابتعاد عن الأصول والأعراف والتربية الأخلاقية الرصينة.
حرية شخصية
سألنا الشاب محمد شاكر (٢٤عام)، كان يدرس في إحدى الدول الأوربية:
برأيي المتواضع ليس السبب في الثقافة الغربية بالانهيار الثقافي الذي يحدث لشبابنا بل على العكس لو التزمنا فعلا بالثقافة الغربية لكنا حاليا من البلدان المتطورة.
فالغرب لديهم الانسانية التي باتت تضمحل في مجتمعنا والغرب هم أناس عمليين ونحن كسولين، الغرب يحترمون قيمة الانسان ونحن على العكس النقيض.
أما طريقة اللبس فهي حرية شخصية وكل انسان مسؤول عن نفسه، ليست المشكلة في المظهر الخارجي المشكلة في التفكير والعقل والقلب أي المظهر الداخلي.
الانترنت هو السبب الرئيسي
اعزى الأستاذ ابو منتظر الصليخي هذه الظاهرة لعدة أسباب منها:
١/. العلاقات المشبوهة والبائسة عن طرق الانترنت.
٢/. مراسلة الصور والأفلام المثيرة والاغراءات الشاذة بين المشتركين ولكلا الجنسين.
٣/. العنف الأسرى وما أدراك ما هذا العنف فبحجة حماية الأسرة أصبح الشباب والشابات يشكون أولياء أمورهم وهذا ما ساعدهم على التهور والانحراف والاستهتار والشذوذ بحجة الحرية المزعومة والنتيجة أصبحت العوائل مفككة وهذا ما يريده الغرب.
٤/. عدم حماية المعلم لأداء دوره الرسالي التربوي والتعليمي.
٥/. انعدام الرادع الحكومي من خلال سن قوانين لا تسمح بمخالفة سلوك العرف الاجتماعي والقيم الأخلاقية والمبادئ الإسلامية.
٦/ البطالة ولو انشغل الشباب بالمصنع، والعامل يفرض عليه شخصية معينة من حيث الملبس وغيرها كما وضعت العتبات المقدسة قيود على منتسبيها حتما هذا سيقلل الحالات الشاذة..
السياسيين الاسلامين
الشيخ جلال معاش.. تحدث الشيخ عن أسباب هذه الظاهرة وهي:
١. الحركة التثقيفية التبليغية جدا ضعيفة.
٢. بحاجة إلى مؤسسات حوزوية وغير حوزوية بجعل برامج مكثفة ومتنوعة للشباب، سواء الترفيهية منها والثقافية، مثل المخيمات الصيفية.
٤. عدم الزواج، سبب جدا مهم للفساد وضياع الشباب.
٥. ردة الفعل بسبب الحكومة الفاسدة، والسياسيين الإسلاميين الفاسدين، الذين تركوا انطباعا سيئا عن الاسلام.
٦. نحتاج إلى برامج حضارية تواكب العصر عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
عصر العولمة
في نفس الموضوع أجاب الكاتب الصحفي علي حسين عبيد:
السؤال مهم جدا، على الرغم من أنه ليس جديدا، فقد طُرح هذا الموضوع في مقالات وبحوث وندوات وبرامج إذاعية وتلفازية، وتحدثت عنه جهات رسمية مختصة، ومنظمات تُعنى بالشباب، حتى المرجعية الدينية تطرقت له أكثر من مرة، هذا الاهتمام بطرح هذه القضية الحساسة يأتي من خطورة ظاهرة التقليد الأعمى للثقافات الوافدة، بعد تعدد وكثافة وسائل التواصل في عصر العولمة، حيث أصبح العالم مكشوفا للجميع، وتداخلت الثقافات والمجتمعات مع بعضها وأصبحت المواجهة مباشِرة بين الجميع، والقوي هو الذي يسود، ونعني بالقوي ليس شرطا أن يكون هو الصحيح، وإنما قوي بالقدرة على الترويج والإقناع وملء فراغات الثقافة الأخرى.
في ثقافتنا هناك فراغات تستغلها الثقافة الغربية فتتسلل من خلالها إلى عقول الشباب وطباعهم، ما هي هذه الفراغات؟
كما قلت في البداية تكرر الحديث والبحث في هذه الظاهرة، الكل تناولها وأشار إلى خطورتها، ولكن نحن نسأل ما هي المعالجات التي قدمناها لمعالجة هذه الظاهرة، نحن لا نختلف عن الشخص الذي يعرف مرضهُ لكن لا يداويه، نتحدث كثيرا عن اختراق الثقافة الغربية لشبابنا، ولكن لا نحرك ساكنا وهذا يجعل الشباب في منأى عن تأثيرات الثقافات السلبية، أهم وأكبر مشكلة تجعل الشباب يقلدون الغربيين بملبسهم وكلامهم وسلوكهم هو (الفراغ)، فالشاب العراقي أو العربي والمسلم، حين يجد نفسه ضائعا في دوامة الفراغ ماذا يفعل؟، إنه لا يجد حلا سوى قتل الفراغ في التشبّه بالشباب الغربي، هل صنعنا للشباب فرص عمل، وهل ساعدنا الشباب على ملء فراغهم بالطرق والوسائل السليمة، أم أننا جميعا وأعني (الحكومات، والمنظمات، والمؤسسات الرسمية والمدنية، وكل من يعترض على الشباب لتقليدهم الغرب).
أقول لهم ماذا قدمتم للشباب حتى تطالبونهم بعدم تقليد الثقافة الغربية أو غيرها؟، الجواب لا شيء، لا يزال الفراغ يعصف بالشباب، ولا تزال الحكومات والقادة السياسيين والأحزاب مشغولين بمصالحهم، الكل لا يعنيه الشباب إلا بالكلام فقط، الكل يتحدثون عن أخطاء الشباب ولا أحد يساعدهم على تجاوزها أو حلّها.
لذلك هذه القضية ليس المسؤول عنها الشباب وحدهم، بل المسؤولية الأكبر تقع على الحكومات والمؤسسات والمنظمات الثقافية والعلمية الحكومية والمدنية، أما من ينتقد الشباب ويلقي اللوم عليهم ولا يحرك ساكنا، ولا يعالج البطالة، ولا يبني أماكن ترفيه ورياضة وتثقيف للشباب، فلا يحق له إلقاء اللوم على الشباب، وعليه أن يلوم نفسه أولا، لأنه السبب الأول في انحراف الشباب.
الاطاحة بالثقافة الاسلامية
أما القانوني رعد الجزائري فكان له رأي آخر:
هنالك عدة أسباب حول الانبهار والتقليد بالمجتمعات العربية بالغربية، منها أسباب الإطاحة بالنظم والمجتمعات الاسلامية من قبل منظمات يهودية وغيرها، الغرض منها هو احداث الانحلال والانفكاك في المجتمعات الاسلامية لكونها تسبب خوف لتلك المنظمات.
كذلك قله الوعي الثقافي لدى الأجيال الحالية التي واكبت دخول وسائل الاتصال بالعالم الغربي والتي قامت بتقليد ماتراه بتلك الوسائل وعدم المحاسبة من قبل الأهل على تلك الأفعال، ومنها أسباب داخلية. تتمثل بالدولة التي تسمح باستيراد تلك الملابس أو الأشياء التي تمثل صورة الغرب.
خاصة أن التجارة في العراق لا تحتوي على شروط أو قيود، تتحكم بهم الدولة بعدم استيراد الآلات التي تستخدم لبث التقاليد الغربية مثل آلات عمل الوشوم أو النركيلات الإلكترونية أو الملابس الغير لائقة وغيرها..
تقليد سلبي وايجابي
من جهة أخرى أجاب الاعلامي حيدر السلامي:
محاولة تقليد الشباب العربي للموديلات ومسايرتهم للموضة الغربية أمر ليس بالجديد بل يعود إلى بداية تاريخ النهضة العلمية والثورة التكنولوجية التي شهدتها أوروبا وسائر دول الغرب.
هذه النهضة شملت كل مناحي الحياة وألقت بظلالها على أكثر دول العالم ومنها العربية والإسلامية.
أما سر تأثر الشباب في كل ما هو جديد فيعزى إلى طبيعة هذه الفئة الاجتماعية والمرحلة العمرية. فالشاب بطبيعته إنسان حركي حيوي ومزاجي أيضاً يحب التغيير والتجديد في كل شيء ولا يميل إلى السكينة ولا يهنأ بالهدوء، لذا تراه دائم البحث عن الجديد الخارج عن المألوف والمتمرد على القواعد الثابتة الرتيبة، كسراً للروتين وتأكيداً لحضور الذات الطامحة إلى الظهور بالصورة الجميلة المتفردة اللافتة بل المدهشة.
لكن التأثر على نوعين أحدهما: محمود أو إيجابي والثاني: مذموم أو سلبي. فالإيجابي ينطوي على تغيير جذري نافع كأن يقتبس الشاب من الحياة الغربية ما يناسب شأنه ولا يخل بالآداب العامة والقيم الاجتماعية والتعاليم الدينية السائدة في مجتمعه الشرقي العربي المسلم. فيستفيد مثلاً من العلوم والتقنيات الحديثة لتطوير دراسته وتوسيع آفاق المعرفة لديه وأقرانه.
وأما التأثر السلبي فهو تغيير قشري في الغالب ويكون مقدمة للانسلاخ عن الهوية الحقيقية والتمظهر بما لا ينسجم مع ثوابت المجتمع الذي ينتمي إليه في محاولة للتميز والتمرد على الواقع المتخلف والرجعي في نظره أو بالقياس إلى درجة التقدم الذي أحرزته المجتمعات الغربية.
لا شك في أن الانبهار بالحضارة الغربية نابع من هذه النظرة وهي في جانب منها صحيحة وينبغي الاعتراف بأن الغرب اليوم يشهد حضارة مقدمة وتطوراً هائلاً على الصعيد العلمي والتقني والعالم كله مدين له بالكثير. لكنه من جانب آخر يشهد تقهقراً وتراجعاً كبيراً ربما سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى انهيار حضارته وموت إنسانيته.
وأقصد بذلك الجانب الروحي. فمن المعلوم أن الإنسان مركب من روح وجسد أي إنه ليس كائناً مادياً محضاً وبالتالي لا يمكن إفراغه روحياً بل يجب أن يعيش التكافؤ على الصعيدين.
من هذا التقرير ووفق آراء المختصين لاحظنا أن هنالك عدة أسباب وراء تفشي ظاهرة مسخ العادات والتقاليد العربية في المجتمعات الاسلامية واستبدالها بتصرفات بعيدة عن الموروث الثقافي الأخلاقي، ويجب أن يقف المختصون أمام هذه الأسباب ووضع حلول سريعة وصارمة لتجنب ضياع الثقافة العربية والأخلاق الاسلامية.
اضافةتعليق
التعليقات