قال الله تعالى في كتابه الكريم: (ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف وللرجال عليهنّ درجة والله عزيز حكيم).
إن الشرح اللفظي للآية الكريمة "لهن" أي للنساء، من الحقوق «مثل الذي» يجب «عليهنّ» تجاه الرجال. أي إنّ حقوق النساء على الرجال مماثلة لحقوق الرجال على النساء. وهذا حكم «بالمعروف» أي في إطار المعروف. «وللرجال عليهنّ درجة» فوق النساء «والله عزيز» في ذاته «حكيم» في أحكامه.
يتألف المجتمع الإنساني من شقين، الذكور والإناث. وهذه الظاهرة سارية في الحياة الحيوانية والنباتية أيضاً. فهكذا خلق الله هذا الخلق ذكوراً وإناثاً، «ومن كلّ شيء خلقنا زوجين»(1). ولكن الذكور أقلّ عدداً من الإناث غالباً، فالأنثى تمثّل النصف الأكبر عدداً في المجتمع. فما هو حكم الإسلام ونظرته لها؟
تحرير المرأة شعار خاوي المحتوى
هناك في العالم حقائق وواقعيات، وهناك ظواهر وشكليات. قد ترى شخصاً يكلّمك عن موضوع ما كلاماً جميلاً ولكن هذا الكلام لا عمق له في قلبه لأنه لا يلتزم به. فمثلاً يدعوك إلى ترك شرب الخمر بينما هو رجل سكير، أو يدعو إلى الإسلام وهو أوّل المخالفين له.
وربما ترى الرجل جالساً أمامك بوجه منطلق بشوش ولكن لو شقّ لك عن قلبه لرأيته مليئاً بالهموم والمشاكل. وهذا يعني وجود ظواهر وشكليات إلى جنب الحقائق والواقعيات المخالفة والمناقضة.
إلاّ أنّ مثقالاً من الواقع والحقيقة يؤثر أكثر من قنطار من الظواهر الخاوية. فلو أنّ بين يديك الآن آلاف بل ملايين من البشر لكنهم موتى بلا أرواح، لما كلّمك واحد منهم حتى حرفاً واحداً، ولكن لو كان طفل صغير عمره شهر واحد فقط لملأ لك البيت ضجيجاً. وما ذلك إلاّ لأن الطفل واقع وحقيقة، أما الموتى فلا أثر لهم وإن حدّثتهم لم تسمع لهم جواباً، لأنّه لا واقع للحياة فيهم.
هذه الدنيا صبغتها الظواهر. وعندما نأتي إلى قضية المرأة نلاحظ أنّ الشعارات التي تُرفع باسمها ليست سوى ظواهر مزيّفة وضجيج فارغ.
فتحرير المرأة مثلاً كلمة جميلة ولكن عندما تنبش قلب هذه الكلمة لكي تعرف حقيقتها والواقع الذي تعيشه المرأة المعاصرة في ظلها تكتشف أنّ فيها حثّاً على ابتذال المرأة وإذلالها وليس حريتها كما يزعمون.
أما قول الله تعالى: «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف» فكلمة جميلة الظاهر عميقة المحتوى في آنٍ معاً؛ فلو بحثت التاريخ كلّه لما وجدت كلمة في جمال هذه الآية تجمع بين الواقع العميق وبين المظهر الجميل. إنها تتألف من أربع كلمات فقط ولكن لو أُعطيت لأي عاقل ملتفت لقال إنها أحسن ما قيل في حق المرأة.
لو أردنا أن نوجز بتفكير وعمق كلّ ما للمرأة من حقوق وما عليها من واجبات لما وجدنا أجمل ولا أجمع من هذه الكلمة. ولو عرضت هذه الكلمة على عقلاء العالم وحكمائه فسيقولون لك كلّهم: إنها تعبر عن تقسيم عادل حكيم.
ولكنّا نريد في هذا البحث الإجابة على سؤالين أو شبهتين تثاران اليوم كثيراً بخصوص أحكام المرأة في الإسلام، تقول الأولى: لماذا جعل الله حصة المرأة من الإرث نصف حصة الرجل؟ والثانية: لماذا جعل الطلاق في الإسلام بيد الرجل دون المرأة؟
قبل الإجابة على السؤالين لابدّ من مقدمة:
لماذا للرجل ضعف نصيب المرأة من الإرث؟
بعد عرض هذه المقدّمة الطويلة نسبياً نأتي إلى ذي المقدمة وهو قضية المرأة والإجابة على السؤالين المتقدمين، وأوّلهما: لماذا جعل الله نصيب الرجل من الإرث ضعف نصيب المرأة؟
ليتضح الجواب، لابدّ من مراجعة أحكام الإسلام المالية فيما يخصّ الرجل والمرأة، فإنّ الإسلام جعل نفقات المرأة على الرجل بنتاً كانت أم زوجة أم أمّاً. فحتّى أدوات التجميل يحقّ لها تقاضي ثمنها من الزوج بما يتناسب وشأنها، ناهيك عن الغذاء والمسكن والملبس والدواء والترفيه وحتى كفنها وماء غسلها وثمن الأرض التي تُدفن فيها وأجور الدفن و… ، كلّ ذلك على الزوج حتى إذا كانت الزوجة ثرية تملك الملايين والزوج معسراً، ولكن في حدود المعروف، كما قيَّدت الآية: (ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف).
إذاً لو مات أب وخلّف أولاداً ذكوراً وإناثاً فالإناث لا مصارف عليهن لأنّ مصارفهن كلّها على الرجال، أما الرجال فيتحملون مصارف أنفسهم ومصارف النساء التي تعود نفقتهن عليهم كالزوجة وهكذا الأخت والأم المعسرتين!
حقاً لولا لطف الإسلام ورفقه بالمرأة لاقتضى أن يجعل الإرث كلّه للرجل كما كان الأمر في الجاهلية قبل الإسلام وكما هو موجود في بعض الجاهليات الحديثة. ولو تُركنا وعقولنا ولم نستضئ بهدي الإسلام لبدا لنا اختصاص الرجل بالإرث كلّه معقولاً، فلماذا نعطي مالاً للمرأة والرجل يصرف عليها كلّ ما تحتاجه؟ ولكن الإسلام لم يغفل أنّ المرأة قد تحتاج ولا تطلب من الرجل حياءً ولا يريد الإسلام للمرأة أن تبذل ماء وجهها، ولذلك فرض لها حصة من الإرث. هذا بالإضافة إلى أنّ في منحها حصة من الإرث نوعاً من تطييب نفسها سيما وهي مفجوعة أيضاً بموت قريبها.
أفيعدّ حكم الإسلام في إرث المرأة بعد هذا ظلماً في حقها وحطّاً من كرامتها أم أنّ الأمر ببساطة ووضوح يتناسب مع الأحكام المالية الأخرى للمرأة في الإسلام مع أخذ عاطفة المرأة بنظر الاعتبار، لأنّ الإسلام يلاحظ العواطف أيضاً؟!
لماذا وضع الإسلام الطلاق بيد الرجل؟
أمّا السؤال الثاني وهو: لماذا وضع الإسلام الطلاق بيد الرجل دون المرأة؟
فنقول في الإجابة عليه: لما كان كلّ فكرين يصطدمان بطبعهما، حتى الأخوين قد يختلفان أو الأب والابن، فكذلك حال الرجل والمرأة فإنّ الاختلاف أمر طبيعي في الحياة، وإلاّ لو لم يكن الاختلاف فلماذا يحصل الطلاق؟ وهل يصح أن نقول للزوجين المختلفين: تفاهَما وقررا الطلاق معاً فهو بيدكما معاً وليس لأحد منكما دون الآخر؟ فكيف يتصوّر أن يتّفقا ويتفاهما وهما مختلفان؟ فأكثر حالات الطلاق إنما تنتج لأنّ الزوجين غير متناغمين، فالزوج قد يكون ثائراً إلى حد الرغبة بالطلاق أما الزوجة فغير ثائرة إلى ذلك الحد. وربما كان الأمر بالعكس، فكيف يتفقان على الطلاق وهما مختلفان. إن التشاجر والنّزاع والصدام هو الذي يؤدي إلى الطلاق، فإذا كان هناك تشاجر ونزاع وصدام فكيف يتصور التفاهم وهو على النقيض من تلك الحالات؟
إذن لابدّ أن يكون الطلاق بيد أحدهما أو بيد شخص آخر غيرهما ولا احتمال آخر. أمّا الاحتمال الأخير وهو أن يكون الطلاق بيد شخص أو جهة غيرهما، فهذا أمر مرفوض بالكامل لأنّ أياً من الزوجين قد لا يبدي كلّ ما في قلبه تجاه الآخر للغير كما يبديه لزوجه، فكيف نترك شأن حياتهما المشتركة بيد شخص ثالث لا يعيش تجربتهما؟!
يبقى عندنا أحد احتمالين، إما أن يكون الطلاق بيد المرأة أو بيد الرجل وقدّمنا أنّ المرأة عاطفية أكثر من الرجل، وهذا التكوين العاطفي للمرأة قد يدفعها لاتخاذ قرار عاجل بالطلاق سرعان ما تندم عليه بعد زوال أسباب الإثارة، على العكس من الرجل فطبيعته - في الغالب - لا تجعله يثور بسرعة وإذا ثار واتّخذ قراراً فلا يتراجع عنه بسرعة لأنّه لم يتخذه بتأثير عاطفي سريع الزوال؛ فثورة الرجل عن خلفية وامتداد أكثر، وإذا حدثت تعمقت وتجذرت، أما ثورة المرأة فكزبد البحر أو الرغوة التي تعلو غسيل الثياب، فلو وضع الإسلام الطلاق بيد المرأة لكان خلاف الحكمة ومصلحة العائلة.
انظر إلى نسب الطلاق المرتفعة في الغرب واستخلص منها العِبر، فحسب بعض التقارير أنّ 87٪ من النساء اللاتي يتّخذن قرار الطلاق في الغرب يُظهرن الندم في غضون شهر بعد الطلاق، ناهيك عن اللواتي لم يعلنَّ ذلك تجلّداً، أما الرجال فلم تبلغ النسبة من النادمين على قرارهم بالطلاق 17٪.
يتبين أنّ حكمة التشريع في وضع الطلاق بيد الرجل هو التقليل من حالات الطلاق ودعماً لأواصر المحبة بين الزوجين واستمراراً للحياة الزوجية.
هذا ولم يتجاهل الإسلام كرامة المرأة واختيارها حتى في هذا المجال، فقد ترك لها الإرادة كاملة قبل الزواج، والحرية في أن لا تتزوج إلاّ بشرط أن تكون وكيلة عن الزوج في الطلاق، فيصبح لها هذا الحقّ كما للزوج وكذا في بعض أحكام أخر، ولكنّه مع ذلك يشجّع في خطه العام على الزواج، ويقول للمرأة: أنا أضع أمامك طريق الحياة السعيدة حتى مع كون الطلاق بيد الرجل، ولكن في الوقت نفسه، ولكي لا تشعري بالإجبار والإكراه، لا أجبركِ على شيء، وبإمكانك أن تضعي هذا الشرط قبل الزواج.
اضافةتعليق
التعليقات