ألم تتزوجي بعد.. كان هذا أول سؤال تلقته (أمل) ثار السؤال حفيظة أمل لدرجة الامتعاض، ولكنها أجابت بلباقة وأدب على الرغم من انزعاجها للسؤال عن حياتها الخاصة..
كثيرا ما ينتاب المرء الإحراج أو الامتعاض من سلوك المتطفلين الباحثين عن أسرار الناس وانتهاك خصوصياتهم برغم معرفتهم بأنهم سيسببون لهم انكسارات نفسية وتضييق مساحة التحمل وذلك لتدخلهم بأدق التفاصيل الحياتية واليومية ولا يتوقف الأمر هنا فحسب بل من الممكن أن يتوسع ليصل إلى نقل الكلام الخاص بصورة أخرى أو تضخيمه لتحفيز عنصر التشويق والاثارة مما يسبب الفتنة أو غيرها من المشاكل الاجتماعية الأخرى..
(بشرى حياة) سلطت الضوء على هذه العادة الاجتماعية المقيتة للبحث عن أسبابها وسبل كيفية التعامل مع هذه الشريحة من الناس بحكمة ودراية:
التميز بين السائلين
حدثتنا التدريسية والاعلامية سوزان الشمري قائلة: في بداية الأمر علينا أن نميز بين من يتدخل ليطمئن على أحوالنا وأننا بخير وهذا غالبا يكون من قبل الأهل المقربين منا، وبين من يطرح اسئلة خاصة فقط ليعرف وضعنا وتفاصيل حياتنا دون ان تكون تلك المعلومة ذات فائدة أو بمعنى آخر تفاصيل لا تعنيه كالسؤال عن قيمة الراتب، وأين يصرف هذا المبلغ أو هل توجد خلافات بين الزوج والزوجة وغيرها من التفاصيل.
وتابعت الشمري: في هذه الحالة علينا أن نضع حداً لهذه الأسئلة لأنها تدخل في أمور خاصة، والإجابة عن تلك الأسئلة يفتح الباب للاستمرار بطرحها مما تجعل حياتنا خالية من الخصوصية.
بالإضافة لصفة الفضول عند البعض التي تدفعهم لطرح تلك الأسئلة يصل الأمر بهم إلى عدم مراعاة مشاعر الآخرين وربما يثقلون كاهلهم ويزداد الحزن بسبب تلك الأسئلة، كسؤال الزوجة عن سبب عدم حملها بعد مرور سنة أو أكثر من الزواج، أو سؤالها كيف لها بقبول اقتران زوجها بامرأة أخرى وعن سبب عدم طلبها الطلاق وكيف قبلت بهذا الوضع.
وأضافت مؤكدة: مثل هكذا أسئلة تثير المشاعر والحزن كما أنها تخلق المشاكل، لهذا نهانا الدين الاسلامي عن التدخل في شؤون غيرنا، ويحثنا على عدم التدخل فيما لا يعنينا وتهذيب أنفسنا بالتحلي باحترام خصوصيات الآخرين.
ختمت حديثها: وعن نفسي فقد تعرضت لهكذا مواقف فأواجه الأمر بالرد بإجابات مختصرة ولا أدخل بالتفاصيل لأشعر المقابل بعدم رغبتي بالحديث عن الموضوع، فطريقة الرد هي من تحدد استمرار هذه الصفة عند البعض في تعاملهم معك .
متعة مبهمة
من جانب آخر قال المحامي علي كريم: التدخل في شؤون الآخرين مشكلة أزلية تقودني أحيانا إلى التذمر والتعصب ولا نجد لها حلاً في الأفق فقد تستشري بداخل الشخص حتى تكون جزءاً من شخصيته.
وأضاف: كما يجد صاحب هذه الصفة المذمومة متعة في حشر أنفه بما لا يعنيه واختراق الحدود الشخصية وتجاوز المسافة الخاصة.
والجزء الأخطر بهذه الشخصية هو الخوف من نقل أي معلومة يعرفها الشخص الفضولي بصورة أخرى أمام الملأ والتي من الممكن أن تسبب إحراجا أو مشكلة لصاحب الشأن.
باعتقادي أن هذه الانثيالات على الأغلب تشيع لدى الأشخاص فاقدي الآفاق الرحبة والاهتمامات المنتجة، فعدم القدرة على تطوير الذات يؤدي إلى التطفل على شأن الآخر، كما أن مواقع التواصل أعطت مساحة كبيرة لمن يعاني من هذا الداء، وللبيئة والمحيط دورا كبيرا في استفحال الظاهرة أو خفوتها، ويأتي الوعي الذاتي وقوة الشخصية في التعامل مع هكذا شخصيات وضبط النفس بمقدمة الأمر لعدم الانسياق لهذه البيئة الملوثة بالنفاق والتدخل في شؤون الآخرين.
وتابع: أنا شخصيا تعرضت لفضول أشخاص عدة تعاملت معهم بحدية لا تخلو من الذوق فأصبحوا يتجنبوني ويتعاملون معي بحذر.
اضطرابات نفسية
فيما قالت الدكتورة سليمة سلطان: إن الفضوليين أمثالهم كثر في المجتمع ومما لا شك فيه أن لديهم اضطرابات نفسية واجتماعية وثقافية ربما يعانون من الإهمال أو شعور بالنقص العاطفي في الغالب لذا يجدون متعة بالغة في ذلك الفضول.
وأضافت: باعتقادي والله أعلم أنهم يجهلون الأثر السيء على الآخرين نتيجة تدخلهم في حياتهم بل يعتقدون أنهم يحسنون صنعا .
أما البحث عن حلول ففي الغالب الحلول لا تتعلق بالفضولي نفسه بل بالضحية، فعليه أن يجد طريقة تساعده للتخلص من هكذا أشخاص إما بالتكتم أو اتخاذ موقف حازم يمنعه من التدخل في حياته وإيقافه عند حده أو تجاهله تماما.
كما أني واجهت أشخاص كثر يتمتعون بهذه الصفة، وكان الحل الوحيد في حينها الصبر والابتعاد عنهم ما استطعت وتجاهلهم .
براثين الفضول
وفي الختام شاركتنا مدربة التنمية البشرية ومسؤولة شعبة الارشاد التربوي في جامعة الزهراء (عليها السلام) خلود البياتي قائلة: من أهم مبادئ الدين الإسلامي الحنيف هو الاحترام الكامل لشخصية الفرد والتركيز على قيمته الإنسانية وكل ما تنضوي تحتها من حقوق ومميزات، ومن تلك الأمور هو جانب الخصوصية.
وأضافت: إن المتتبع للآيات القرآنية وروايات أهل البيت (عليهم السلام) يلمس التأكيد على عدم التدخل في شؤون الآخرين ويعتبره من موارد حسن إسلام المرء كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مِن حُسنِ إسلامِ المَرءِ تَركُهُ ما لا يَعنيهِ»، فمن منا يرغب أن يتم اختراق أسوار حياته الشخصية والانقضاض ببراثن الفضول لتمزيق جسد الحياة، حتماً الإجابة ستكون لن نسمح بذلك.
فكل تفاصيل حياة الانسان هي من شأنه الخاص الذي لا يملك أحد الأذن في التسلل لها بأي شكل من الأشكال، ولعلنا في هذا الزمن نلاحظ مختلف أنواع التدخل والتعدي على تلك الدائرة الخاصة سواء عن طريق الكلمات اللفظية أو عبر الوسائل الالكترونية الحديثة التي قد أساء البعض استخدامها ليصل بها لمآربه الدنيئة من الابتزاز أو التنمر على الآخرين .
وتابعت البياتي: لعل ابرز أسباب هذا الميل للتدخل السافر في خصوصيات الآخرين هو الفراغ الذي يعاني منه الكثير، وليس بالضرورة أن يكون الفراغ أي وجود وقت فائض عن الحاجة بل من الممكن أن يكون الشخص منشغلاً طوال الوقت في أعمال معينة، ولكنه يعاني من الفراغ الفكري أو الروحي فيسعى لتعبئته بأي طريقة كانت، وكذلك الشعور بالنقص الذي يسيطر على البعض حيث أن هذا الشعور يدفعه لملاحقة من حوله لاقتناص أي ثغرة من وجهة نظره لكي يعمل على تسقيطه أمام الآخرين، فينال جذب الانتباه ممن حوله، بالإضافة إلى عدم تحديد هدف للحياة يجعل الانسان يشعر بالضياع فيبحث عن أي قشة لتنقذه فتكون المتابعة والتلصص من أهم الأمور التي يشعر من خلالها بأنه يؤدي مهمة مميزة.
ختمت حديثها: إن ضعف الوازع الديني يشكل النقطة المهمة جداً في مشوار التلصص على حياة الآخرين، فعند غياب الشعور بالرقابة الإلهية أو الانتماء لأهل البيت (عليهم السلام) يصبح كل شيء من الأمور الاعتيادية ويمارسها بلا تردد منه، لذا نجد أن العودة لحبل الله المتين والتوجه لمنارات الهدى المنيرة دائماً وأبداً هي الطريق لاحترام خصوصية الجميع ليشعر من يعيش في نفس المجتمع بالاستقرار النفسي والطمأنينة.
اضافةتعليق
التعليقات