الحلم, الانتظار, العمل, المرض, الشهادة.. مفردات جاءت بها مسرحية طيف الندى لتنقلنا إلى عالم صاخب بالإثارة والدراما الرصينة بحضور كربلائي مميز في مهرجان (شهيدة المنحر قدوةٌ وأسوة) الذي رفع ستاره على خشبة مسرح البيت الثقافي في مدينة كربلاء المقدسة..
نجاح باهر
على الرغم من بساطة امكانيات المسرح الكربلائي إلا أن هناك شيء جوهري يجعله ينبض بالحياة, هكذا كانت رؤية كل من شاهد مسرحية (طيف الندى) التي تألقت بطلتها زينب حسان لتخطفت الأنظار في وقوفها لأول مرة على خشبة المسرح وهي تجسد ببراعة شخصية الطفلة ندى.
وشاركت في العرض الفنانة سرى عامر بدور الأم والفنان أزهر الأسدي في دور الإمام السجاد (ع)، كما كان لصوته الرخامي دور في الأداء عبر شخصية الأب.
أما الفنان سعد سلمان فقد رفع الأضواء خلف ستائر فناء المسرح ليرسم لوحة جمال تبهر الحاضرين ويزدان العرض إثارة مع المؤثرات الصوتية التي كانت بأنامل علي كاظم.
بداية العمل
للتعرف أكثر على العمل المسرحي (طيف الندى) التقت (بشرى حياة) مؤلفة ومخرجة العمل آلاء طاهر لتحدثنا عن بداية انطلاقتها قائلة: بعد أن أوكل إلي مهام تنمية واكتشاف المواهب لكوني المشرفة الإعلامية والفنية لطلاب مدارس الأيتام, انطلقت على بركة الله وبوقت قياسي جدا بفكرة اقامة مهرجان (شهيدة المنحر قدوةٌ وأسوة) والذي حددنا اقامته في شهر صفر، فكان لابد من وضع جدول عمل في محاولة للتغلب على عامل الوقت لنقدم عمل يرتقي بالثقافة الحسينية من جهة ويكون ذو طرح أكاديمي وبأعلى مستوى من المهنية الفنية.
وأضافت: كنت أعمل لساعات طويلة جدا، وأقوم بمهام مدير المهرجان وبنفس الوقت مؤلف ومخرج للعمل المسرحي (طيف الندى) الذي أقيم على قاعة البيت الثقافي, كان التحدي الأول هو البحث عن طفلة تستطيع أن تجسد شخصية (ندى) بطلة المسرحية وكأني أفتش عن إبرة في كومة قش!.
فقد اختبرنا العديد من الفتيات حتى توصلنا إلى الطفلة (زينب حسان) التي لم تخض تجربة التمثيل من قبل وهذا ما يحتاج إلى جهد مضاعف أثناء التدريب, وعلى رغم اعتراض مساعد المخرج والبحث عن بديل خوفا من اخفاقها إلا إني وجدت بها بصيص أمل مشرق كما راهنت على صقل موهبتها في أقل من عشرة أيام، حيث كنت أدربها بشكل مكثف لنكون على موعد مع صناعة جوهرة فنية عالية المستوى قمت بصياغتها بشكل خطف شغاف القلوب وأقنع كبار الفنانين.
رسالة العمل
وعن رسالة العمل قالت طاهر: استطعنا من خلال كتابة وتأليف نص (طيف الندى) أن نوصل الرسائل الهادفة ومعالجة أبرز التحديات التي يواجهها المجتمع من خلال رفع مستوى الوعي، وصناعة معالجة فنية تحقق الغاية بشكل غير مباشر، وزرع قيم الارتباط الروحي بقضايا عاشوراء وما جرى على الإمام الحسين وأهل بيته (عليهم السلام) وما خلفته تلك التضحيات التي لم تفنيها الذاكرة عبر الأجيال.
وتابعت: قدمنا شخصية ندى تلك الطفلة المصابة بمرض عضال يتركها الأب ويذهب إلى ساحات القتال للدفاع عن الأرض والعرض.
لتبدأ معاناة الأم بالبحث عن الدواء وتأمين مصاريف العلاج من خلال خياطة العباءات الزينبية, لنقدم مشهد تراجيدي عالي المستوى لحوار الأم مع تلك القطع السوداء التي تذكرها بعباءات محرقة وأزر عفاف لبنيات سيد الشهداء في يوم عاشوراء، حيث قدمت الممثلة (سرى عامر) مشهد ألهب حماس الجمهور وحرك فيه الحنين.
فيما تداخلت مشاهد المسرحية وتقسمت بين مسرح الظل الذي اختزل بصورة مؤثرة وعميقة لمشاهد الطيف الذي كانت تراه ندى في منامها تبهر الجمهور وتجعله يعيش حالة من الإنبهار في سرعة دمج البطلة في أداءها بين مسرح الظل والمسرح المباشر.
فيما قدم طلاب من ثانوية علي الأصغر (ع) مشهد استهلالي لأطفال يلعبون بشكل عفوي أشعر الجمهور ببراءة الطفولة، ليعودوا مرة أخرى في مشهد لزوار الأربعين وهم متعبين من السير الطويل ويتجمعون حول المواكب.
وقد حمل مشهد التقاء ندى بالإمام زين العابدين والسيدة رقية (عليهما السلام) عبر مسرح الظل بمساعدة كادر الإضاءة قطعة فنية استطاعت أن تنحت في ذاكرة الزمن ما تريد.
بعد أن تصر ندى على الذهاب إلى المخيم الحسني لتحظى بإحساس السيدة رقية (عليها السلام) عندما كانت تسكن وتلعب في هذا المكان يجيبها الأب عبر الهاتف
"إن عطر السيدة رقية لا تستنشقه إلا بنيات الشهداء وعيونها المحمرة تساعدها بالقذى منهن عين".
هذا المقطع الذي تكرر في مشهد الاتصال الهاتفي, ليعود صداه مرة أخرى في مشهد احتضان ندى لتابوت أبيها.
فيما كان مشهد الختام أنموذجا للفن الهادف الذي ينعكس على صانعيه وجمهوره بتقديم محتوى عقائدي وثقافي في آن واحد، اختصر كل خطب التوجيه وبنى أفكار تزرع في سلوكيات الإنسان حينما يفقد أغلى ما يملك وهو الأب الذي عاد ملفوفا بالعلم العراقي، لتضج سلالم المسرح بصوت النحيب ثم يقف اجلالا لذلك النص الذي خاطبه بلغة التساؤل عن (من هو المسؤول عن خطف مرح الطفولة ومن هو المسؤول عن يتم طفلة بعمر ست سنوات وماذا سوف يكون مصيرها بينكم).
فما كان من الحاضرين إلا الوقوف وحرارة لهيب القاعة بتصفيق يخبر عن مدى تفاعلهم مع النص والأداء معا.
اضافةتعليق
التعليقات