أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 18 حزيران / يونيه احتفالاً دولياً ب "يوم فن الطبخ المستدام"، هو تعبير ثقافي يتعلق بالتنوع الطبيعي والثقافي للعالم. ويؤكد من جديد كذلك أن جميع الثقافات والحضارات هي عوامل مساهمة وممكنة حاسمة للتنمية المستدامة.
ويعتبر فن الطبخ والطهي من أقدم المجالات التي تطورت مع النهضة الحضارية فهو يعني تحضير وتقديم الأطباق بشكل مميز سواءً في المطاعم أو الفنادق، فمع تطور النظم التعليمية، بدأت الجامعات تبعاً لذلك بتصميم له برامج متنوعة منذ مئات السنين في أوروبا وأمريكا. حيث بدأت الجامعات الأوروبية وغيرها من الجامعات الأخرى في تعليم طلابها بطرق نظرية وعملية، لكي تكسبهم معرفة واسعة عن أشهر المطابخ العالمية وأشهى الأكلات الشعبية بجانب وصفات الأطعمة المستحدثة وطرق عملها والدقة في وضع مكونات كل أكلة بالمعايير السليمة وكيفية تقديمها بأفضل شكل.
تصوير الأطعمة
بدأ المصورون يظهرون الطعام في صورهم الفوتوغرافية ابتداء من عام 1845، وكانوا وقتها يميلون إلى التقاط صور الطعام من منظور آكله، أي من منظور علوي أفقي، ولكن تدريجيا ومع تطور فن التصوير، بدأ المصورون في دمج رؤيتهم الفنية مع تصوير الطعام، فظهرت لقطات فنية للأطباق، ومنها انبثقت مهنة تنسيق الطعام.
مهمة منسق الطعام هي أن يظهر الطعام بشكل مثالي للتصوير، سواء أكان تصويرا فوتوغرافيا أم فيديو، ويجب على القائم بها معرفة أدواته جيدا للنجاح في هذه المهمة، وهي ليست مهمة سهلة كما يبدو للبعض، كما أن تنسيق الطعام مهنة مهمة في عالم الأغذية.
تصوير الطعام يفضح خصوصياتنا
ظهرت تغيرات للتواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة؛ ولعل أبرزها هوس تصوير الطعام على برامج التواصل الاجتماعي (الإنستقرام، السناب شات) قبل تناوله، حيث أصبح التصوير أسهل في الانتشار بين الجنسين وبين مختلف الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية في شتي أرجاء العالم حتى وصلت للوطن العربي.
فاليوم أصبح هناك إضافة على مائدة الطعام، فاجتماع الأسرة بالأمس لأجل الاستمتاع بالطعام فقط، أصبح اليوم تصوير الطعام هو أول ما يستفتح به الأكل، بل قد تصل الجرأة للمصور أن يوقف الآخرين المشاركين على نفس المائدة حتى ينتهي من تصوير الأكل بغض النظر عن فارق السن.
وقد اختلفت وجهات النظر بين من يرى أنها من باب شكر الله على النعم، كما قال تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث) (الضحى:١١)، ومن يرى أنها وسيلة للتعبير عن موهبة التصوير أو طريقة التنظيم. وبخلاف ذلك من يرى بأنها تصرفات غير عقلانية وأنها بوابة للإسراف والمباهاة وكسر لقلوب الفقراء، وضغط على موارد الأسرة لتوفير الكماليات اللازمة حتى تظهر الصور بشكل أكثر جاذبية.
إن ”الثقافة الاستهلاكية الترفيهية“. وطبقا لمفهوم علم الاجتماع الاقتصادي تعني مجمل التصرفات والسلوكيات والعادات والممارسات التي تدفع بالفرد إلى الإنفاق العشوائي بصورة خارجة عن قواعد الضبط الديني والاجتماعي والقيمي، تتخطى معها حدود الإمكانيات المادية، وبالتالي يولد نمطا اقتصاديا يعرضه لمخاطر كثيرة، "إن تحول الطعام من وظيفة اشباع حاجات المستهلك الأساسية إلى ترفيه وتحديد مكانة وتقليد العقلية الاستهلاكية، الترفيه وسلوكياته هي السمة الطاغية على السلوك الاستهلاكي بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، بل إن النزعة الاستهلاكية وصلت لذوي الدخل المحدود، فالأغنياء يحددون إنفاقهم بشكل يضفي عليهم ما يتفوقون به على بقية الطبقات من مظاهر ورموز المكانة الاجتماعية.
فهم بذلك يخلقون نوعا من المجتمع بطريقة جديدة كليا.
لكن كيف يشعر الآخرون بشأن ظاهرة تصوير الطعام التي يبدو أنها تحل أينما كانوا؟ أظهر استطلاع مؤسسة (يوجوف) أن الرأي منقسم بشأن اتجاه تصوير الطعام. فقال نحو 43% انهم يجدون ان الصور ملهمة، أما 40% فقالوا إن الاتجاه عادة ما يثير ضجرهم.
وقد قام باحثين من جامعتي “هارفارد” و”مينيسوتا” الأمريكيتين، بدارسة تأثير صور اللحوم المقلية ومختلف أنواع السلطات على مرسل هذه الصور وكشفت الدراسة أن تصوير الأطعمة قبل تناولها، وهو ما تحول إلى شبه طقس يمارسه كثيرون يوميا، يمنح هؤلاء الشعور بأن طعم الطبق المفضل يصبح مركزا أكثر مما يجعله ألذ.
كما ويرى أخصائيون علم النفس أن المباهاة والاستعراض بات بحد ذاته غاية للأشخاص الذين لديهم فراغ وليس لديهم حالة من الانشغال الذاتي.
فهل تتحول في المستقبل إلى عادة يلزم بها أفراد المجتمع، ويتعرض للاستهجان من يرفض ذلك أم أنها عابرة وستزول مع الوقت؟
إن التصوير لغرض نفع الآخرين كالإدلال على طعام معين أمر رائع، أما إذا كان لغرض المباهاة والإسراف فإن تبني ثقافة الإدخار وترشيد ثقافة الاستهلاك عادة ما تعود بالنفع على المستهلك.
آراء عامة وخاصة
جمعنا هنا بعض آراء الناس العامة وأصحاب الاختصاص حول موضوع تصوير الأطعمة ونشرها على مواقع السوشل ميديا.
قالت نور حسين (بأنها ظاهرة لا تعجبني وأصبحت البيوت مكشوفة للجميع من وقت استيقاظهم من النوم إلى وقت النوم وبهذه الفترة يتم التصوير لأدق شئ بحياتهم للأسف، كما أنصح الجميع بالابتعاد عن هذه العادة السيئة لما فيها من أضرار من عين وحسد وشرور على الأنفس).
وأشارت أم سعد الشمري إلى أن هذه الظاهرة جعلت النساء يذهبن لأرقى المطاعم والمقاهي من أجل التصوير فقط وكل واحدة تطلب كل ما هو جديد من المأكل والمشرب من أجل التصوير فقط، للدرجة التي جعلت واقعنا الاجتماعي مّر وهنا لابد من مصارحة أنفسنا بكل شفافية بأن حياتنا واجتماعاتنا فقدت بساطتها ولذتها فلم يعد لتلك الأطباق المتعددة مذاقها ولذتها بسبب أنها لا تصنع إلا شكليًا لأجل التصوير فقط.
ومن أراء الناس لرأي الأخصائي الاجتماعي الأستاذ حمزة الغانمي الذي قال: (في البداية أراها عادة سيئة خاصة إذا كانت للتفاخر والمباهاة ففيها كسر لقلب الفقير وكذلك المقتنيات من مشاهير السناب وإظهار دعاية كاذبة لأصحاب المحلات من اجل الكسب المادي والشهرة. وكذلك يحز في نفسي اتجاه بعض أفراد المجتمع لإكمال النقص لديهم بالتفاخر بما يقتني وأنا أتضايق أحيانا عند مشاهدة مثل هذه الصور لدى المشاهير وترويج لسلعة متكدسة لديهم، وأما بالنسبة لمشاهدتي لبعض الصور الخاصة للولائم فإني أتمنى أن لا يشاهدها من لا يستطيع الحصول على ما تم تصويره، لا أخفيكم بأنني لا أحب التصوير إلا إذا أردت أخذ رأي شخص ما متخصص أصور له صورة لسلعة معينة).
وتدلي برأيها الشيف حسناء الشمري: (لم تعد تقتصر هذه الظاهرة على مجرد المتعة في النشر أو التباهي بالإنجاز بالطبخ، بل تحولت مع الوقت إلى وسيلة “فعالة” لتبادل الخبرات بين ربات المنازل والفتيات، وأصبحت وسيلة “تعليمية” لإتقان فنون الطهي وتعلم أساليب جديدة لتزيين سفرة الطعام وتقديمه. لتجد تلك تسأل في التعليقات على الوصفة، أو تثني على إبداع أخرى. حتى أن كثيرًا من “مصورات الطعام” أصبحن ينشرن مراحل التحضير وأحيانًا المقادير بالتفصيل لنشر الفائدة للجميع. وأنا أقوم بذلك في كل سناب أنشره).
ختاماً ينبغي على مشاهير السوشل ميديا أن يخافوا الله فيما يقدمون من تصوير أطعمة باهظة الثمن خاصة أن أغلب من يتابعهم لا يستطيع مجاراتهم أو يوفر لأبنائه ما ينشر ويشاهد وكذلك الإعلانات أن يتحققوا من جودتها ولا يكن همهم الأكبر المردود المادي ولابد من خدمة مجتمعهم ودينهم أولا وآخرًا.
اضافةتعليق
التعليقات