(الناس أعداء ما جهلوا) وراء هذه العبارة جهاد كبير، متمثل في تغييرات عدة بوجهات نظر الناس، وتحويل ما يجهلونه إلى معلوم، ومن ثم تحويل مشاعر العداء إلى تقبل، هذه المراحل تقف أمامها العديد من المواجهات فضلا عن الاعلام والمجتمع، وهذا ما رأيناه في اختراعات كثيرة، تم رفضها في بادئ الأمر، وبعد أن تداولتْ في المجتمع تقبلها وتداولها، السبب كله في قصر النظر وعدم النظر لأي أمر على الأمد البعيد، ولو يبحث أي فرد عن الشخصيات الناجحة يراها حوربتْ وتنمروا عليها واتهموها بأنواع الاتهامات وبعد نجاحهم اعترفوا بهم.
ومثل هذه المواقف كثيرة جدا والكثير موقن بأن الناس تعتمد على مشاعرها دون أن تحكم عقلها، وكثير من الأحيان تقع الناس في مشاكل عدة بسبب عدم فهم الأمور فهما واقعيا، بل الأكثر من ذلك هناك من خسر دنياه وآخرته فقط لأنه لم يفهم الحكمة من كثير من الأمور، ووصل إلى حد الكفر بالله أو التعدي على رسله وهذا ما حصل وما زال يحصل عندما يُذْكر كريم آل البيت عليهم السلام الإمام الحسن ومعاهدته مع معاوية، فسابقا أطلق عليه بعضا من جيشه آنذاك أنه (مذل المؤمنين) لأنهم لم يفهموا أسباب وبنود المعاهدة وكونه أرضية لثورة كربلاء التي تحفظ الدين من ضياعه، حتى أصبح مستشريا على لسان العامة والذين لا يفقهون شيئا وعيونهم لا تنظر إلا أمامها فقط.
فالإمام الحسن عليه السلام برع في تسجيل نصر كبير من خلال بنود الصلح، فأراد الامام الحسن (عليه السلام) أن يثبت للمسلمين في ذلك العصر بل للتاريخ زيف ما كان يدعيه معاوية، ويبيِّن كذبه وتزويره للحقائق، وإزاحة عباءة الدين عنه، التي طالما تستر بها معاوية وبالفعل فقد استطاع الامام الحسن (عليه السلام) بعد فترة وجيزة من تعرية معاوية وكشفه كشفاً كاملاً أمام المسلمين، فهذا معاوية يُسقط القناع عن وجهه ليعترف ويقول بعد أيام من توقيعه على المعاهدة: إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، إنكم تعلمون ذلك، ولكني قاتلتكم لأتأمَّر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون، ألا وأني منيت الحسن وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدمي، ولا أفي بشيء منها له 1، هكذا مكَّن الامام الحسن (عليه السلام ) المسلمينَ من اكتشاف حقائق مهمة والحصول على تجربة سياسية عظيمة مهدت لتجربة أخرى أكبر لذا فأن هناك فرقاً كبيراً جداً بين المواجهتين، أي مواجهة الامام الحسن (عليه السلام) لمعاوية، ومواجهة الامام الحسين (عليه السلام) ليزيد بن معاوية، حيث لمن تكن الأمور ملتبسة على الناس أيام حكومة يزيد كما كانت ملتبسة أيام حكومة معاوية.
فضلا عن ذلك افتقد المجتمع إلى ثقافة التسليم لأمر المعصوم وعدم الاعتراض عليه، وهذه الثقافة تحتاج إلى معرفة وثقة بالمعصوم عليه السلام، فلا يدع الفرد عدم فهمه للأمور ونظرته القاصرة حائلا أمام عدم تسليمه لإمام زمانه وبالتالي يبتعد كل البعد عن دينه وحتى انسانيته، ومثل هذا الابتلاء للآن سائر وساعد على ذلك مواقع التواصل حيث الآن الناس تشتم بعضها البعض من دون أن يعلموا أين الحقيقة وأين الزيف، وأصبح هناك تجاوز سافر على رموز الدين وهم الأئمة عليهم السلام، فقط لأن هناك رمز دنيوي لم يعرف من الدين إلا اسمه تصرف تصرفا غير محسوبا، فبدأت الألقاب تُطلق من هنا أو هناك دون فهم ومعرفة وادراك لخطورة هذا الأمر.
اضافةتعليق
التعليقات