كانت ولازالت الثورة تمثل صرخة عالية الصدى للحرية بوجه خانقها وتغيير جذري في هياكل السلطة، فأي عملية دكتاتورية من الممكن أن تصاحبها ضجة جماهيرية بقيادة رجل يدير زمام الأمور ويمهد للناس الطريق الصحيح الذي من خلاله سيقضون به على الجهة المتجبرة في الحكم.
ونلاحظ اليوم تقصير الجهات الحاكمة والغضب الشعبي الواضح للمطالبة بالحقوق والخروج ضد الفساد الحاصل في العملية السياسية ونهب أموال الشعب.
وبالتأكيد أنها صرخة حق ضد باطل، ناهيك عن الجهات الخبيثة التي استغلت هذا الثوران الشعبي وساقت الثورة إلى مبتغاها الأسود واستطاعت أن تؤجج الوضع وتقود الجماهير المسالمة إلى الخراب والدمار.
غير الفتن التي زرعوها بين الثوار والتي راح ضحيتها الكثير من الشباب الأبرياء.
لكن لو أردنا إيجاد وجه التشابه بين الثورات التي حصلت وبين ثورة الامام الحسين عليه السلام المقدسة، ربما قد نجد بعض الأمور التي تصب في المصب.
فهدفية الثورة هو تغيير السياسة الحاكمة، وطلب الإصلاح، ولا اختلاف في ذلك فقد لاحظنا تأييد المرجعية الدينية لذلك وفق ضوابط وقيادة حكيمة، ولكن لو عدنا إلى محورية ثورة الامام الحسين نلاحظ بأن الهدف الأول منه هو هدف إلهي بحت، بعيد عن أي متعلقات دنيوية.
فخروج الامام كان لإصلاح أمة جده رسول الله، أي من أجل الحفاظ على القيم الإسلامية البحتة، وليس القيم الانسانية التي تخطها اليوم الجهات تحت مسمى الدولة العلمانية.
فالإمام كان هدفه إحياء الدولة الإسلامية وفق تشريع إلهي يضمن للبشرية الحقوق التي أنزلها الله تعالى على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنقاذ الأمة من الفساد والطغيان.
فهل من الممكن أن نشبه ثورة الشخص الملازم لساحات التحرير والمطالب بدولة علمانية لا يحكمها الإسلام رافعا هتافات فصل الدين عن السياسة بثورة الامام الحسين؟.
بالتأكيد لا، فمطلب ثورة الحسين عليه السلام هو إقامة الدين الإسلامي في جميع محاور الدولة السياسة والاقتصادية والاجتماعية.
لأنه يعرف بأنه الإسلام هو الحل الأزلي لجميع مشاكل الأمة فإنه لم يطالب بإصلاح الفساد وارجاع الأموال وازاحة السراق، بل قطع الحربة من رأسها، لأنه يعرف بأن بالإسلام فقط ستحل كل المشكلات.
فهل ثوارنا اليوم يطالبون بتحقيق النظام الإسلامي في محور الدولة؟ أم بدولة علمانية لا تمت بالدين ولا الإسلام بصلة؟
قد يقول البعض بأن العراق هو بلد متعدد الأديان، ولا يصح أن يكون نظامه نظام إسلامي، هنا يكون الرد بأن ليس هنالك نظام أعدل وأحفظ لحقوق الأديان الأخرى من النظام الإسلامي، والشرح في هذا الباب يطول، ومن في قلبه شك فليراجع التاريخ وليدقق في نظام حكومة الامام علي عليه السلام وضمان حقوق وحريات الطوائف والأديان الأخرى كاليهود والنصارى... الخ.
فالدعوة إلى قيام دولة إسلامية هي دعوة خالية من التحيز والعنصرية لأن هذا النظام هو نظام إلهي متكامل لجميع الأجناس البشرية وليس محدداً للإسلاميين فقط!.
والدليل أن كل الأديان والكتب السماوية التي نزلت لم تكن كاملة واستمر على أثره نزول المبشرين والمنذرين والانبياء حاملين كتب سماوية، والدين الذي ختم الله به الأديان هو الدين الاسلامي الذي مثل نظاما حياتيا متكاملا للبشرية جمعاء بكافة أصنافها، ليبقى إلى يوم القيامة مهما اختلفت الأمكنة والأزمنة، ولن يكون له مثيل، فالكمال هي صفة إلهية، والدين الإسلامي هو دين إلهي، وجميع الأنظمة العالمية هي من صنع البشر والبشر غير كامل وميال إلى بني صنفه والنظام الذي سيضعه بالتأكيد سيكون خاضع للنقص، والمصلحة والتغيير.
فالأمريكي سيضع قوانين تخدم الشعب الأمريكي وتظلم الأفارقة، واليهودي سيضع قوانين تخدم اليهود وتظلم المسلمين، والعربي سيضع قوانين تخدم العرب وتظلم الكرد... وهكذا، والدليل ما يحصل في كل دول العالم من الظلم والاضطهاد لفئات على حساب فئات أخرى.
ولا ننسى بأن خيمة المولى الحسين احتضنت المسلم والنصراني، الأبيض، والأسود، والسادة والعبيد، وكانوا كلهم تحت لواء (إصلاح أمة جدي) ولم يفرق الامام بينهم ولم يفضل أحدا على أحد، هذا هو الحكم الإسلامي الذي ثار من أجله الامام الحسين، فهل حقا نستطيع أن نقول بأن ثورتنا اليوم هي امتداد حقيقي لثورته الكريمة؟
اضافةتعليق
التعليقات