شذرات مضيئة.. تتلألأ فوق صفحة المجد، فتزيد صاحبها بهاءً وسناءً، وتُضفي ببريقها الأخّاذ وضوحاً يشرق في حنايا الوجود، ليتمثّل رجلاً قلّما يجود الزمان بمثل إخلاصه وولائه ونكرانه لذاته.
عندما كتب الشاعر محمود درويش قصيدته (فكِّر بغيرك) لا ندري إن كان قد كتبها وهو يتمثّل أبا ذر أمامه أم لا ؟.. ليستلهم أبياتها من وهج مواقفه العظيمة، الغارقة في حب الآخرين، لكن ما نعلمه حقا أنّ الصحابيّ الكبير أبو ذر هو النموذج الأمثل لكل صفات الخير.. وهو الأكثر حظوة من غيره بتميّزه وتفرّده وتماهيه في حبِّ الغير..
فيقول درويش في قصيدته:
((وأَنتَ تُعِدُّ فطورك فكِّرْ بغيركَ
[ لا تَنْسَ قُوتَ الحمامْ]
وأَنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ
[لا تَنْسَ مَنْ يطلبون السلامْ]
وأَنتَ تُسدِّذُ فاتورةَ الماء، فكِّر بغيركَ
[مَنْ يرضَعُون الغمامْ]
وأَنتَ تعودُ إلى البيت، بيِتكَ، فكِّرْ بغيركَ
[ لا تنس شعب الخيامْ]
وأَنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّرْ بغيركَ
[ ثَمَّةَ مَنْ لم يجد حيّزاً للمنام]
وأَنتَ تحرِّرُ نفسك بالاستعارات، فكِّرْ بغيركَ
[ مَنْ فَقَدُوا حَقَّهم في الكلامْ]
وأَنتَ تفكِّر بالآخرين البعيدين، فكِّرْ بنفسك
[ قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ]))
كلنا نعلم أن أبا ذر عاش غريبا ومات غريبا، وبين هاتين الغربتين طوى حياة ملؤها الاحساس بالألم من هنا ندرك كم كانت الغربة قاسية على قلب هذا الصحابي الجليل، وهو الذي ما فتأ يذكّر الآخرين بالمصير المحتوم وهو الموت، محذِّراً من غضبة الجبّار على المستأثرين بقوت الفقراء والمساكين، ممن أخرستهم عنجهية الأمراء والسلاطين، ففقدوا حقهم في الكلام.. فكان أبو ذر لسانهم الناطق وصولتهم الضاربة لجذور الطمع، والذي استحوذ على علّية القوم ممن يسمّون بالصحابة والتابعين.
إلا أنّ مقولة لرسول الله صلى الله عليه وآله قالها في حقه تعدل الدنيا وما فيها: ما أقلّت الغبراء وما أطبقت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر... ستبقى شهادة فخر تزيّن صدر أبو ذر وترفع شأنه وتسمو به في العالمين... كيف لا؟! وهو من قد عرفنا لسانه الصادق هذا، سوطاً لاهباً على ظهور الظالمين.
وعندما بنى معاوية قصر الخضراء بدمشق، كان أبو ذر له بالمرصاد، يؤلّب عليه الناس، ويوقظ فيهم حماسة الثورة ولهيب الرفض، فكان رضوان الله عليه كلما مرّ بقصره سلقه بلسان حادٍّ... مُعيباً عليه بذخه وإسرافه في أموال المسلمين، فيصيح به دونما وجل:
_ يا معاوية: إن كانت هذه الدار من مال الله فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهو الإسراف، فلا يجد معاوية مهرباً من لسانه إلا السكوت على مضض.
ويُنفى الصحابي أبو ذر إلى الربذة، ويموت هناك وحيداً، كي يصفو للطغاة عيشهم، ويستريح بالهم... لكن سيظل لسانه سيفاً مُصلتاً على رقابهم.. يتوعّدهم بالويل والثبور، وإن كانوا قد غيبّوه جسداً فلن يستطيعوا تغييب فكره ومنهجه الحق في نصرة الخير وحب الغير.
باب: ثقافة
الوسوم: الانسان، الحق والباطل، الخير والشر، الامام علي، القيم
المانشيت: كلنا نعلم أن أبا ذر عاش غريبا ومات غريبا، وبين هاتين الغربتين طوى حياة ملؤها الاحساس بالألم
موت في فلاة: إدانة صارخة بحق الطغاة
نجاح الجيزاني
شذرات مضيئة.. تتلألأ فوق صفحة المجد، فتزيد صاحبها بهاءً وسناءً، وتُضفي ببريقها الأخّاذ وضوحاً يشرق في حنايا الوجود، ليتمثّل رجلاً قلّما يجود الزمان بمثل إخلاصه وولائه ونكرانه لذاته.
عندما كتب الشاعر محمود درويش قصيدته ( فكِّر بغيرك) لا ندري إن كان قد كتبها وهو يتمثّل أبا ذر أمامه أم لا ؟.. ليستلهم أبياتها من وهج مواقفه العظيمة، الغارقة في حب الآخرين، لكن ما نعلمه حقا أنّ الصحابيّ الكبير أبو ذر هو النموذج الأمثل لكل صفات الخير.. وهو الأكثر حظوة من غيره بتميّزه وتفرّده وتماهيه في حبِّ الغير..
فيقول درويش في قصيدته:
((وأَنتَ تُعِدُّ فطورك فكِّرْ بغيركَ
[ لا تَنْسَ قُوتَ الحمامْ]
وأَنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ
[لا تَنْسَ مَنْ يطلبون السلامْ]
وأَنتَ تُسدِّذُ فاتورةَ الماء، فكِّر بغيركَ
[مَنْ يرضَعُون الغمامْ]
وأَنتَ تعودُ إلى البيت، بيِتكَ، فكِّرْ بغيركَ
[ لا تنس شعب الخيامْ]
وأَنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّرْ بغيركَ
[ ثَمَّةَ مَنْ لم يجد حيّزاً للمنام]
وأَنتَ تحرِّرُ نفسك بالاستعارات، فكِّرْ بغيركَ
[ مَنْ فَقَدُوا حَقَّهم في الكلامْ]
وأَنتَ تفكِّر بالآخرين البعيدين، فكِّرْ بنفسك
[ قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ]))
كلنا نعلم أن أبا ذر عاش غريبا ومات غريبا، وبين هاتين الغربتين طوى حياة ملؤها الاحساس بالألم من هنا ندرك كم كانت الغربة قاسية على قلب هذا الصحابي الجليل، وهو الذي ما فتأ يذكّر الآخرين بالمصير المحتوم وهو الموت، محذِّراً من غضبة الجبّار على المستأثرين بقوت الفقراء والمساكين، ممن أخرستهم عنجهية الأمراء والسلاطين، ففقدوا حقهم في الكلام.. فكان أبو ذر لسانهم الناطق وصولتهم الضاربة لجذور الطمع، والذي استحوذ على علّية القوم ممن يسمّون بالصحابة والتابعين.
إلا أنّ مقولة لرسول الله صلى الله عليه وآله قالها في حقه تعدل الدنيا وما فيها : ما أقلّت الغبراء وما أطبقت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ... ستبقى شهادة فخر تزيّن صدر أبو ذر وترفع شأنه وتسمو به في العالمين... كيف لا؟! وهو من قد عرفنا لسانه الصادق هذا، سوطاً لاهباً على ظهور الظالمين .
وعندما بنى معاوية قصر الخضراء بدمشق، كان أبو ذر له بالمرصاد، يؤلّب عليه الناس، ويوقظ فيهم حماسة الثورة ولهيب الرفض، فكان رضوان الله عليه كلما مرّ بقصره سلقه بلسان حادٍّ... مُعيباً عليه بذخه وإسرافه في أموال المسلمين، فيصيح به دونما وجل :
_ يا معاوية : إن كانت هذه الدار من مال الله فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهو الإسراف، فلا يجد معاوية مهرباً من لسانه إلا السكوت على مضض .
ويُنفى الصحابي أبو ذر إلى الربذة، ويموت هناك وحيداً، كي يصفو للطغاة عيشهم، ويستريح بالهم... لكن سيظل لسانه سيفاً مُصلتاً على رقابهم.. يتوعّدهم بالويل والثبور، وإن كانوا قد غيبّوه جسداً فلن يستطيعوا تغييب فكره ومنهجه الحق في نصرة الخير وحب الغير.
اضافةتعليق
التعليقات