اتخذتُ من الخربة موطن لي مُنذ ان وضع الطاغي يزيد آل الرسول بها، بقيت بجوارهم اهب بنسيمي بين الحين والآخر لعلي اخفف عنهم ما عانوه من حرارة الشمس وتعب مسير تلك المسافات.
في إحدى الليالي، فزعت وانا اسمع صوت طفلة تنحب وتصرخ وهي تُردد بأسم (حُسين ابا يا حُسين)، اقتربت منها وإذا بها ترتجف خوفاُ وبرداً ابتعدت قليلاً فأنا المُسبب لارتعادها ذاك، عرفت انها ابنة للحُسين حنت لوالدها وتود لقاءه نقلت صوتها الى ذاك المتجبر في قصره، افزعته من نومه فما له والنوم وابنة الحسين لا تستطيع النوم، رأيته وهو ينزعج من صوتها ويخاف، بلى فصوت الحق يُخيف المتجبرين وإن كان من الصغار.
سمعته وهو يقول لحاجبه خذ رأس والدها اليها لعلها تهدأ وتكف عن الصراخ، غضبتُ وهببتُ بوجهه بكل ما عندي من قوة لعله يتراجع عن قراره، لعل الإنسانية التي ماتت داخله تدب بها الحياة من جديد ولكن لا جدوى!.
ندمت لانني نقلت صوتها اليه، ارتعبت وعُدت اليها لعلني استطيع إعانة عمتها في تهدأتها.
لاح لي من بعيد جلاوزة الطاغي وهم يتقدمون نحوها وبإيديهم إناء وانا اعرف ما يحويه، هببت بشدة امامه حاولت إيقافه تعثر ولكنه اكمل مسيره، صرخت وصرخت ولكنه لم يسمعني، رمى الإناء امامها ورحل، تحرك المنديل قليلاً ولكني اعدتهُ لإن لا تُفجع تلك الصغيرة.
- عمة ماهذا؟ انا اريد ابي، صمت مهيب خيم على كل الموجودات حولهم، كيف ستُخبر جبل الصبر ابنة اخيها بما في الاناء.
- عمة ارفعي الغطاء، جاءها الجواب.
أعتذر سادتي فليس من حقي مخالفتكم ولكنني حاولت الضغط على الغطاء حتى لا تقوى ابنة الحسين على رفعه، حاولت جاهداً ولكن شوقها لوالدها غلبني، رفعت الغطاء وعلت الصرخات، حتى انا ابتعدت لم اقوى على الاقتراب، نسمة الهواء تؤذي المجروح، فكيف لو كان الأمر ذبح للمنحر، وجرح بالجبين، وجراحات جديدة بالشفاه!.
هلعتُ مما رأت عيني وخفت ان ازيدهُ ألماً.
- أبتاه من الذي خضّبك بدمائك؟ أبتاه من الذي قطع وريدك؟ أبتاه من الذي أيتمني على صغر سني؟ أبتاه من بقي بعدك نرجوه؟ أبتاه من لليتيمة حتى تكبر؟
تساؤلات كانت ردة الفعل الاولى لعزيزة الحسين، احتضنت رأس والدها وتمتمت بكلمات، لم اسمعها فهل كانت تشكو له ما عاينته من ألم، أم انها عاتبته لانه لم يسأل عنها؟ لستُ أدري!
سكن صوتها، ظنها الجميع قد نامت، فجاء صوت اخيها سيد الساجدين قائلاً: عمة ارفعي الطفلة عن رأس والدي فقد ماتت! ماذا تقول سيدي ماتت!
ماتت حزناً، ماتت كمداً، ماتت حرقةً، ماتت ظلماً.
دفنها الإمام ورحلوا، بقيت انا في حرمها لعلي انال شرف خدمة زوارها، بقيت احمل هم تلك الليلة الفح فيها وجوه زوارها ليجزعوا بجوارها، فلا مكان للتعقل والتصبر في عزاء رقية بنت الحسين.
مُحدثتكم نسمة هواء مقصرة في خدمة سادتها.
اضافةتعليق
التعليقات