كان يجلس في إحدى الزوايا فقد اكتظ المكان بالزائرين, غطى الشيب رأسه ويديه المجعدتان ترتعش, ليس بردا إنما لكبر سنه, افترش الأرض ببسطته الصغيرة ملأها بالسكاكر وقطع حلوى (السمسمية) وبعض ألعاب الأطفال, كان الصغار وذويهم يتهافتون للتبضع منه, وقد رسمت على محياه ابتسامة فرح لا مثيل لها رغم العرق المتفصد في جبهته الذي كان يجففه بين حين وآخر والذي يدل على انهماكه في عمله وتعبه إلى ان السعادة كانت تعتلي وجهه.
ترجلت نحوه اسأله عن سر سعادته تلك فليس هناك ما يسر خاطره وهو على هذا الحال المضني فأجابني باسما" إنها ليلة رزق مباركة" انظري إلى ما جنيته وان كان الربح قليل إلا انه مبارك يكفي إني جنيته في هذه الليلة العظيمة.
وهنا أدركت سر سعادته فالكثير من العوائل ترتجي الرزق في هذه الليلة اذ تضم نساء وأطفال وشيب وشباب, فلم تتوقف ليلة النصف من شعبان على الاحتفال بذكرى ولادة آخر الشموس الهاشمية من أهل بيت الرسالة الأطهار بل اختزلت بين طياتها الأماني الكثيرة يأمل من يحييها أن تتحقق, فلم تكن محفل فرح وسرور فحسب بل مصدر رزق لأناس محتاجة, فأفراح آل بيت الرسول تعم على محبيهم من نواحي شتى لترسم على محياهم ابتسامة حب ووئام..
(بشرى حياة) تجولت بين الزائرين لتسجل آراء الموالين في هذه الليلة العظيمة وما تعنيه لهم..
ليلة رزق مباركة
حدثنا الشاب مسلم كريم 28 سنة كاسب قائلا: "إني اعمل في أعمال البناء المتعبة وأنا انتظر الزيارات والمناسبات, فأهم بشراء ما يلزم من محال الجملة لألعاب الأطفال وغيرها من الايشاربات النسائية لأتجول بها بين الزائرين لأكسب رزقي".
وأضاف: "أنا لا اعتقد إن العمل في تلك الليلة لا يجوز حسب ما قالوه لي بعض الأصدقاء بأن أتوقف عن البيع للزائرين, فأنا أرى العكس بأن المال الذي احصل عليه في تلك الليلة يكون ذو بركة اكبر, كما إني سعيد حتى حينما اجنيه فمنها أكون مع الزائرين احتفل معهم وبينهم ومنها اكسب قوت عائلتي".
فيما أعرب حسام ابراهيم وهو احد الزائرين عن سعادته قائلا: "عندما يهل شهر شعبان تنسدل الأفراح على العوائل الكربلائية ومحبين ال بيت النبي (ص) من كل المدن العراقية, فيهموا جميعا على حكم عادتهم بالاستعداد باستقبال الشهر بحفاوة اكبر من العام الذي سبقه بتزيين الشوارع والمحال التجارية, لتملأ البهجة قلوبهم وتشق الابتسامة طريقها نحو أمل مرتقب, فكانت أول ولادة من اللآلئ الفاخرة لسيد الشهداء حتى ليلة النصف من شعبان".
وأضاف: "ان الكثير من الموالين يتأهبون لتلك الليلة وينتظروها بشغف, اذ يترقبوا بزوغ الفجر موقدين شموع الحب والولاء والأمل لاستذكار يوم مولد منقذ البشرية جمعاء الإمام الموعود صاحب العصر والزمان المهدي (عجل)".
وتابع: "لقد حضرت من مدينة البصرة إلى كربلاء قبل عدة أيام, لإحياء مراسيم الزيارة, قبل أن تكتظ الشوارع خصوصا إني أتيت برفقة أسرتي, هذا وقد مكثت في بيت قريبي لأنتظر ليلة النصف لأكون بجوار المرقد الطاهر وأشعل شمعة لكل من أوصاني بقضاء حاجة في نفسه".
ختم حديثه: "أن الأجواء التي تم تحضيرها لهذه الليلة بغاية الروعة, أتمنى أن تعاد علينا بصحة وسلامة في السنوات القابلة".
فيما حدثتنا أم نرجس/ 39سنة قائلة: "في كل عام تدعوني جارتي للذهاب معها راجلة إلى مقام صاحب الزمان (عليه السلام) حتى نحظى بالزيارة وحضور مراسيم الاحتفال, وفي كل مرة يرفض زوجي مرافقتها, وبعد توسلاتي له رافقتها فكانت أول مرة لي أشم نقاء نسيم الفجر في حضرة ذلك المقام الطاهر حتى تبلورت دموعي طلبت أن أرى لنفسي ذرية وأوقدت شمعتي التي حرصت أن أضعها على أعتاب بابه بعد عناء طويل وأنا بين الزائرات, فما يخرج من القلب يصل إلى القلب وقد تمنيت تلك الأمنية من قلبي, ورزقني الله بنرجس التي اصحبها كل يوم جمعة لزيارة مقام الإمام المهدي (عجل) من يوم ولادتها ليومنا هذا وقد بلغت الأربعة أعوام، اشكر الله لأنه استجاب لدعوتي في فجر تلك الليلة المباركة".
ومن جهة أخرى حدثتنا أم عباس قائلة: "لا يتوقف الرزق في تلك الليلة المباركة بالعمل وطلب الرزق بالذرية فحسب ولكن حتى في طلب الشفاء والحوائج المستعصية, ولربما يسخر البعض لكن من يؤمن بالشيء ويكون صاحب عقيدة قوية به ينال مبتغاه بإذن الله تعالى, وقد جرت هذه العادة لي بعدما زرت مقامه في سامراء بان أحظى بحجة بيت الله الحرام وان أطوف في الكعبة الشريفة قبل أن يوافيني الأجل, وما أن عدت لبيتي وانقضت أيام حتى اقبل ابني البكر ليزف لي خبر بأني سأكون بين حجاج بيت الله الحرام".
وأردفت قائلة :"لقد اعتدت بأن أقيم محفلا في بيتي بهذه المناسبة الميمونة, اجمع بها كل من بناتي وزوجات أولادي وأحفادي وكل محبين آل بيت الرسول لتكون ليلة فرح بجمع الأقارب, فقد حث الرسول وأهل بيته على صلة الرحم فما أجمل من أن يجتمع الأقارب والأصدقاء على حب واحد وفرحة واحدة ألا وهي ذكرى ولادة الإمام المهدي عليه السلام".
آخر الشموس الهاشمية
فيما شاركنا الشيخ عبد الرزاق محمد علي بحديث عن الإمام صاحب الزمان عليه السلام قائلا: "الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين, يحتفل العالم الإسلامي بهذه الولادة الميمونة ألا وهي ولادة آخر الشموس الهاشمية الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وقد نال الإمام خصائص انفرد بها وميزات اختص بها، وهي عوامل ستساعده على تحقيق الهدف المنشود من بعثة الأنبياء والمرسلين كافة, فهو المنقذ والمصلح العالمي الذي يشكل ويمثّل جوهرة الفكرة المهدوية في الإسلام، والإيمان بوجوده ترسخ بقلوب منتظريه فلا تزال الجموح المحبة له ترتجل في الخامس عشر من شهر شعبان لتجدد له الولاء فأرواحهم باتت قاحلة ورؤيته غيث لهم, ومهما طال الانتظار فحتما سيأتي يوم اللقاء وتلتئم الجراح والشمس ستشرق, لان غيبته ليست انعزالية بل اتصالية, فهو غاب بعنوانه لا بشخصه, لأنه بيننا من حيث لا نعرفه".
وأضاف: "وقد روي عن النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم انه قال (إن الله يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه) فهذه فرصة لكل مسلم يريد رضى الله سبحانه وتعالى، أن يصلح ما بينه وبين خصومه من قريب أو بعيد، سواء كان من أهله، أو صديقه، أو أي شخص آخر، وكذلك عليه أن يدعو ويتوب من المعاصي والذنوب من ربا، أو غيبة، أو نميمة، وغيرها من المعاصي".
ختم حديثه: "نطلب من الله الغفران والرحمة, وقضاء حوائج المؤمنين والمؤمنات, وتعجل ظهور قائم آل محمد ونكون من أتباعه وناصريه".
اضافةتعليق
التعليقات