بينما كنت التقط انفاسي اللاهثة، لاني احمل طفلي الصغير وانا اقف انتظر دوري في الممر لان العيادة اكتظت بالمراجعين، سمعت الممرض الذي يعمل مع الطبيب، يهتف باسم المريض التالي: (هيلين علوان) حتى توجهت أنظار كل الموجودين إلى تلك الطفلة، التي حملها والدها بين ذراعيه، وهي لا تتجاوز السنتين، استنكر الكثير اسمها، منهم من قطب حاجبيه، ومنهم من ارسل ضحكات خفية، لتناقض اسم الطفلة واسم الاب، فكل منهما في وادي، حتى أنا لم يروق لي ذلك الاسم.
هذا ما حصل مع ام زينب وهي تزور طبيب الاطفال، فقد بات هذا المشهد نشاهده كثيرا في حياتنا اليومية، لكثرة انخراط الكثير من الابوين، خلف تسمية ابنائهم على شخصيات المسلسلات المدبلجة، او المشاهير من المطربين والممثلين.
لقد وضع الله عز وجل مسميات لكل شيء، منذ بدء الخليقة، فقد علمَ نبينا ادم عليه السلام كل الاسماء من جماد وحيوان ونبات، حيث تناقلت عبر العصور والأزمان حول العالم، واختلفت بحسب الشعوب، وأسماء الإنسان ايضا الذي من خلاله يعرف المرء بشخصه حين مناداته، وبعد تقدم الحضارات، الذي يشهده عالمنا، تجددت الأسماء مع مواكبة التغيرات، ففي زحمة التراكمات اللفظية، تتولد قناعات باتجاه تصوير معاني القبح والجمال، لتسمية المولود، وتعد السلطة الأكبر بهذا الجانب هي للابوين.
وفي سياق تلك الاسماء ومعانيها، اجرينا هذا الاستطلاع لنتعرف إلى آراء البعض حول هذا الموضوع.
التبارك بالتسمية
البداية كانت مع المهندسة زينب إبراهيم حيث قالت: إن ظاهرة الأسماء الغريبة الغير مطروقة، أصبحت موضة سائدة بين اغلب الناس، وكثيرا ما تصادفني اسماء غريبة، اغلبها بدون معنى، مجرد اسم غريب للفت الانتباه، وذلك يعود لتغير الاجيال وبتقدم السنوات لاجل معاصرة التطور، في حين كان آباؤنا يتباركون بتسمية أبنائهم، على أسماء الأنبياء وال البيت عليهم السلام، لكن حاليا اختلفت نظرة الأب والام لاسم الطفل، فيتسابقون لاختيار الاسم الأغرب من باب (فيكة الاسم).
فيما قالت فاطمة عبد الكاظم طالبة علوم حياة/ 19سنة: لا أرى ضررا في تسمية الاسم لمواكبة التقدم الذي طفا على السطح، ولأني من هواة الفلك اقترحت أن يكون اسم ابنة أخي (سديم) والذي يطلق على الألوان في الفضاء، لكني وللأسف لاقيت انتقادات كثيرة، معتقدين أنني (أتفيك) لعدم معرفة معناه من البعض، رغم إني اخترته لجماليته.
ومن جهته قال الشاب علي محمد زاهر: الاسم يمثل جزءا كبيرا من شخصية الإنسان، وفي هذا الزمن قد لا يتوافق الاسم مع الشخصية، فترى منها غير مناسب، وترى منها المناسب، وقد تختلف الشخصية عن محتوى معنى الاسم، فقد تبرز شخصية الشخص خلاف على اسمه او العكس، وللاسم خاصية فريدة على خلاف التسميات والثقافات، فمنها ما يوحي لمعنى بعيد، يصعب على الشخص العادي فهمه، فيفهمه على هواه وبعض الأسماء تفهم من محتوى الاسم الواضح.
واضافت هاجر حسين/ طالبة جامعية الى ماقاله علي: إن اختيار الأسماء الغريبة لعدة أسباب، اما ان يكون الاسم غريبا، لحب اهل المولود لهذا الاسم، ممكن يكون اسم شخصية مشهورة، او عالم، او ماشابه، او لمواكبة العصر، وقد كان احد افراد عائلتنا قد اسمته امه (غاندي) لحبها لشخصيته، ولكن بعدما كبر وليدها لم يحب اسمه وعمد على تغييره من غاندي إلى (علي) واصبح اليوم الجميع يناديه باسمه الجديد، والغريب بالموضوع انه اسما ابنتيه اسماء غريبة لمواكبة الموضة السائدة.
وواصلت حديثها قائلة: وليس هو فحسب، بل نجد الكثير من يختار اسماء غريبة او مغايرة لشخصية ما، مثل اسم اسينات، وهذا الاسم جاء من دور زوجة النبي يوسف (ع) في المسلسل الايراني المدبلج، وغيرها من الاسماء التي لايسعني ذكرها.
رؤية علم النفس والاجتماع
وقالت الباحثة الاجتماعية ثورة الأموي: ان الاسم يعد مهم جدا، والمسؤول الأول والأخير عنه الأبوين، واختياره يدل بالدرجة الأولى على ثقافة الأبوين، وثقافة ذلك الشعب والزمن الذي نحن فيه.
واضافت الاموي: فعلى سبيل المثال، يسمى الطفل باسم معين، وعندما تقول لهم ما هذا الاسم، يقول هذا اسم والدي، وانا احب تخليده، أو على اسم أمي ولنفس السبب، وهنا يكون الطفل الضحية.
وتابعت: إن الاسم، يعكس في الكثير من الأحيان، على شخصية الانسان في المستقبل، فترى البعض يكون منطويا بسبب رداءة اسمه، لانه يكون عرضة للاستهزاء به، مما يجعله خجل جدا في لفظ اسمه، او يكون اسم جميل، يرمي بضلاله على شخصية الفرد، وعلينا ان نختار اسما يتماشى مع العصر او الزمان الذي نحن فيه ونراعي موروثنا الديني والاجتماعي.
وشاركتنا استاذ علم النفس نور الحسناوي رأيها قائلة: إن الأسماء عند الناس كافة تأتي من منظور ديني، او اجتماعي، او سياسي فنلاحظ بعض العوائل الملتزمة دينيا تسمي ابناءها على الشخصيات الدينية، وبعض العوائل تسمي ابناءها بطابع مذهبها وحبا لرموزها، فبعضهم يسمي عبد علي، وعبد الزهرة، وعبد الحسن، وبعضهم من يتأثر بالشخصيات السياسية والفنية ويسمون ابناءهم عليها.
واضافت الحسناوي: تبقى الاسماء لها مدلولاتها ومعانيها، فكل اسم يحمل معنى ومقصدا عند العائلة التي تطلقه على ابنائها، وبعد الانفتاح الذي نشهده بوقتنا الحاضر، تلاشت تماما ظاهرة الاسماء الغير مرغوب بها مثل اسماء الحيوان والجماد والنبات، وظهرت الاسماء الغريبة التي اغلب الناس البسطاء لا يفهمون معانيها، وبالنسبة لي انا لست ضد هذه المسميات فيعد تسمية المولود هو حرية شخصية يتمتع بها الابوين لكن من الضروري والواجب ان يحسن الابوين انتقاء الاسم المناسب والمحبب للمولود.
وان فكرة الاسماء الغريبة تكون غير مقبولة في المناطق النائية من الارياف وذلك بسبب الانغلاق المطبق الذي يسود تلك المجتمعات.
وختمت حديثها: ان المسافة الشاسعة بين الاسم والمسمى هو حتما يأتي من الجذر الثقافي للمجتمع، فإن كل المسميات للأشخاص تظل في خيمة الثقافة السائدة وليس بالضرورة ان تكون معبرة عن الشخص المسمى.
رؤية شرعية
ومن جهته قال الشيخ عبد الكريم هادي عن هذا الموضوع: عمد العرب في الجاهلية على استعمال أسماء متناقضة فهم يسمون أولادهم بأسماء غير جميلة، مثل صخر، وحرب فيما يسمون عبيدهم وامائهم باسماء جميلة، كمسرور وياقوت وزهور ومرزوقة، معللين ذلك بأن اسماء اولادهم ترعب الاعداء في الحرب اما العبيد والاماء فهم كباقي المقتنيات والكماليات التي يتجملون بها.
وكان من الاسباب التي تدع الناس للتسمية باسماء قبيحة هو اعتقادهم بان تلك الاسماء مثل منخل وزبالة وغيرها تمنع الحسد وتقيهم من العين، ومع مرور الزمن وارتفاع المستوى الثقافي، والاجتماعي، بدأت هذه القناعات بالتغير والانحسار وبرزت الاسماء الجميلة، وان كان بعضها غريبا عند البعض، مثل شبر ويعني حسن في العبرية وايليا يعني علي، الا ان البعض، تمادى إلى درجة استخدام اسماء اجنبية وخصوصا اسماء ابطال الافلام والمسلسلات الاجنبية وهو ان دل على شيء فأنما يدل على عدم الثقة بالنفس والتقليد الاعمى.
وقد غير الاسلام الحنيف، فيما غيره من سلبيات اجتماعية، ومنها حث المسلمين على تسمية اولادهم باسماء جميلة وحسنة، لترك ومنع التنابز والانتقاص منهم، لدرجة ان جعل من حق الابن على ابيه ان يحسن تربيته وتسميته وتعليمه، كما جاء في رسالة الحقوق للامام السجاد، وانا افضل الاسماء التي تنطلق من مسميات اهل البيت عليهم السلام تبركا بها وتفائلا بالخير.
اضافةتعليق
التعليقات