• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

جموح التراتيل

زينب الاسدي / الأثنين 10 شباط 2025 / ثقافة / 768
شارك الموضوع :

كان صرير القلم يُحدِث لحنًا ملكوتيًّا قادرًا أبدًا على تحريك الكون دفعة واحدة، وكأني بحشود الملائكة قد اجتمعت

كانت حوافر الخيل تنتهك هدوء الليل وتبث في قلوب النخعيين الفزع والهلع وهي تجوب الطرقات الضيقة والمتعرّجة في الكوفة، وقف حشد العسكر على إحدى البيوت وبدؤوا بطَرق عنيف ثم ما لبثوا أن خلعوا الباب ودخلوا عنوة، كانت في الدار عجوز تغزل الصوف إلى جانبها فتاة لم تتجاوز العاشرة تتناثر خصلات شعرها الجميلة على كتفها كاستهزاء بكل القبح المحيط بها، هرعت الفتاة إلى حضن جدّتها بينما أخذ الجنود يدخلون الدار ويصعدون السطح ويبحثون في كل مكان، ولمّا لم يجدوا من يبحثون عنه اقترب أحدهم من العجوز حتى فاحت رائحة فمه الكريهة ودخلت رأسها متجاوزة الأنف وتعرّجاته، ثم زعق في وجهها:

لماذا لا تُسلّمون طريدكم يا بني نخع، أين كميل؟ هل يروقه أن يرى بني قومه يعيشون القحط والخوف ويتضوّر صغارهم من الجوع؟!

أخبروه أن يسلّم نفسه فالحجّاج لن يترككم ما لم يعثرعليه، ثم نظر ناحية الطفلة وكشّر عن نابين نخر في أحدهما الدود وهو يقول: مازالت هذه اليتيمة في رعايتك يا امرأة؟ ألا تريدين من يعينك على حِملها؟ ثم مدّ يده يداعب وجناتها فجرّتها العجوز في حضنها، وحدجته بنظرة حادّة ثمّ صاحت غاضبة:

- ابتعد عنها أيها الجبان، إنها صغيرة لا ذنب لها فيما يقترف الكبار ..

فابتعد الأخير آمرا جنوده بالانسحاب وهو يقول: قولي لكميل أن يسلّم نفسه وإلا سيكون لنا عمل كثير مع بني نخع أصدر بعدها ضحكة مجلجلة وخرج من البيت وغاب هو وجنوده في بطن الظلام ..

نظرت الفتاة نظرة خوف مليئة بالانكسار إلى جدّتها التي أخذت تدثّرها برداء آخر وهي تظنّ أنها سوف تحميها من كل شرور الكون كلما زادت تغطيتها، قالت الفتاة:

جدتي ماذا يريد هؤلاء من العمّ كميل؟!

أطلقت الجدّة تنهيدة عميقة وأخذت تنبش ما دُفن في ذاكرتها العتيقة علّها تجد ما تسرده للصغيرة لكنها لم تجد إلا الدمار فقالت:

- لا عليك عزيزتي، لا تفكري بالأمر، ولكن سوف أعطيك سرّا من الأسرار التي أعطاني إياها عمك كميل، تَعلّميه وردّدي معي ..

كان كميل بن زياد شيخًا قد بلغ السبعين من العمر قضاها في ركاب علي (عليه السلام) حتى استخلص من ينبوعه سر الأسرار وكنه الحقائق والحكمة، وقد طلبه الحجاج للقضاء عليه.

كانت الشمس قد اجتمعت فوق المدينة تبعث بأشعتها كرشق سهام متواصلة لا تهدأ، تجاوز كميل الطرقات الملتوية، شاهد في جانب الزقاق معزة قد التف الحبل برجلها ومنعها من الحركة، كانت تنظر إليه بالتماس فانحنى ناحيتها وفتح الحبل ثم ما لبث أن استأنف الطريق مارًّا بالسوق الذي امتلأ بأصوات الباعة، حتى وصل إلى قصر الإمارة، كان القصر شاهقًا قابعًا في مكانه مثل لعنة أبدية تراكمت في الكوفة، ما إن وصل الباب حتى تم إلقاء القبض عليه وسيق به نحو الحجاج، كان الأخير متربّعًا على كرسيه مترنّحًا تكسوه ثياب مطرّزة بالذهب والمرجان وطيلسان مخملي ..

تفوح في المكان رائحة الموت الذي أخذ يحوم حول رأسه، ما إن رآه الحجّاج حتى أطلق ضحكة غريبة جافّة لا روح فيها ولا نداوة، ضحك في البداية من حلقومه ثمّ توالت الضحكات موجة بعد موجة، تبعتها ضحكات مجلجلة من ندمائه وهو نصف مستلق بيده كأسه: هل هذا أنت يا كميل، قائد جيوش علي نهارًا ومستودع أسراره ليلًا؟ لا أصدّق لقد هرمتَ يا رجل وأصبحت مثل رمّانة هزيلة ثم أطلق ضحكة أخرى..

كانت رائحة الموت تشتدّ أكثر فأكثر ثم ما لبثت أن انقطعت عندما أغمض كميل عينه وهام في حقبة كان جالسًا بين يدي علي في البصرة مع جمع من الرجال، كان الجو يحمل في أحشائه رطوبة النهر القريب بينما يحوم في الأفق سرب من الحمام ينتعش بحريته المطلقة قام من بينهم رجل وسأل عليًّا عن قوله تعالى (فيها يفرق كلّ أمر حكيم) فأومأ الإمام إليه بإيماءة لطيفة تحدوها ابتسامة مفعمة بالأمل ثم قال:

-هي ليلة النصف من شعبان، ثم استأنف: والذي نفس علي بيده.. ما من عبد إلا وجميع ما يجري عليه من خير أو شرّ مقسوم له في ليلة النصف من شعبان إلى آخر السنة في مثل تلك الليلة المقبلة، وما من عبد يحييها ويدعو بدعاء الخضر (عليه السلام) إلاّ اُجيب له ..

ازدحام البوح

كميل

بعثت كلمات علي (عليه السلام) في خاطري تساؤلًا كلّما قلّبتُه مرارًا في حيّز جمجمتي حتى المساء لم أجد له جوابًا؟ كان يدقّ مثل شاكوش ضئيل في مكان ما من رأسي فيُحدث إيقاعًا متواصلًا لا ينقطع، حتى أوشكتُ أن لا أرى أمامي وأضيع الطريق، كانت زوجتي تناديني فلا أسمع نداءها والأطفال يتقافزون من حولي فلا أفطن لقربهم، لم أستطع الصبر، قمتُ في هدأة الليل وسكونه وتوجّهتُ إلى بيت علي، طرقتُ الباب طرقات خفيفة خشية أن يكون النوم قد غشي أهل البيت، فجاء صوته وديعًا ولكنّه مهيب الوقع في نفس الوقت:

- من الطارق؟ أجبته أنا كميل، فتح الباب واستأنف بصوت خفيض ينطوي على بعض الاستغراب ولكنّه هادئ وحنين:

 ما جاء بك يا كميل ؟ فقلتُ وقد بان الحرج في صوتي :

دعاء الخضر يا مولاي، توجّه علي ناحية سراج كان قد خفت ضياؤه فأشعله ثمّ تناول كأسًا من الماء شرب منه شربة وقال مثل من يهمّ بالقيام بأمر عظيم:

اجلس يا كميل، إذا حفظت هذا الدعاء فادع به كلّ ليلة جمعة، أو في الشهر مرّة، أو في السنة مرّة، أو في عمرك مرّة؛ تُكف وتُنصر وتُرزق ولن تُعدم في المغفرة.. ثمّ مدّ يده ناحية السراج وزاد من شعلته وقال:

- اكتب يا كميل.. كان صرير القلم يُحدِث لحنًا ملكوتيًّا قادرًا أبدًا على تحريك الكون دفعة واحدة، وكأني بحشود الملائكة قد اجتمعت تؤمّن وتؤبّن على ما يُملي عَلي (عليه السلام) ..لم أفق بعد تلك الغفوة في مجلس الحجّاج، بل رحتُ أحلّق في فضاء مليء بالعطر مثل سرب الحمام الذي رأيته، منتعشًا بالحرية المطلقة في الأفق الرحب .

حلّ المساء رويدًا رويدًا يلتحف طرقات الكوفة ويتستّر على كلّ اقترافات العُصاة، يكسر جبروته ثغاء معزة التفّ الحبل برجلها ... يخالطها صوت عجوز تلقّن صغيرتها : اللّـهمَّ إنّي أَسأَلك برحمتك الَّتي وسعت كلَّ شيء، وبقوَّتك الَّتي قهرت بها كلَّ شيء، وخضع لها كلُّ شيء، وذلَّ لها كلُّ شيء ... واستمرّت ترتّل سفرها المكنون وكأنها تغرف من معين عذب وتصبّ في كبد حرّى ..

الامام علي
الدعاء
شهر شعبان
الايمان
قصة
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    العلاج الطبيعي للأطفال

    الترند الجديد "لابوبو".. صدفة أم واحدة من أنجح حملات التسويق في 2025؟

    دراسة جديدة تكشف فوائد مذهلة للبطيخ الأحمر

    حين يُصافح الحقُّ يدَ الظلم: مداهنة لا تُغتفر

    مقومات التزكية عند الإمام الباقر

    الإمام محمد الباقر: منارة العلم التي أطفأها الظلم

    آخر القراءات

    فن من نوع آخر.. الكوشات تصاميم عصرية بأنامل عراقية

    النشر : الأثنين 22 حزيران 2020
    اخر قراءة : منذ ثانيتين

    احذر.. الشاي الساخن جداً يضاعف من خطر الإصابة بالسرطان

    النشر : الأحد 15 ايلول 2019
    اخر قراءة : منذ 3 ثواني

    كيف تعالج قلقك؟

    النشر : السبت 06 نيسان 2019
    اخر قراءة : منذ 8 ثواني

    تونس تقر قانون المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة

    النشر : الأثنين 26 تشرين الثاني 2018
    اخر قراءة : منذ 28 ثانية

    رَماد

    النشر : الأربعاء 16 حزيران 2021
    اخر قراءة : منذ 30 ثانية

    وعي الأنوثة

    النشر : الأثنين 29 حزيران 2020
    اخر قراءة : منذ 35 ثانية

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    هاجر حسين كقارئة: طموحات مستقبلية ورسالة ملهمة

    • 3076 مشاهدات

    حين يُصافح الحقُّ يدَ الظلم: مداهنة لا تُغتفر

    • 546 مشاهدات

    الإمام محمد الباقر: منارة العلم التي أطفأها الظلم

    • 538 مشاهدات

    الترند الجديد "لابوبو".. صدفة أم واحدة من أنجح حملات التسويق في 2025؟

    • 445 مشاهدات

    حب الصيف واجب وطني وإيماني

    • 425 مشاهدات

    الشهيد الرضا الشيرازي.. تجلّيات فكر وسنويّة رحيل

    • 386 مشاهدات

    قارئة تُشعل شمعة الأمل في ظلام الجهل .. حوار مع القارئة مريم العيساوي

    • 3853 مشاهدات

    هاجر حسين كقارئة: طموحات مستقبلية ورسالة ملهمة

    • 3076 مشاهدات

    حوار مع حسين المعموري: "التعايش السلمي رسالة شبابية.. والخطابة سلاحنا لبناء مجتمع واع"

    • 979 مشاهدات

    شهيد العلم والمظلومية.. دروسٌ من سيرة الإمام الجواد للشباب المسلم

    • 901 مشاهدات

    عقد مقدّس تحت سماء مكة

    • 578 مشاهدات

    كيف أصبح "شات جي بي تي" مرجعاً لحياتنا؟

    • 566 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    العلاج الطبيعي للأطفال
    • منذ 23 ساعة
    الترند الجديد "لابوبو".. صدفة أم واحدة من أنجح حملات التسويق في 2025؟
    • منذ 23 ساعة
    دراسة جديدة تكشف فوائد مذهلة للبطيخ الأحمر
    • منذ 24 ساعة
    حين يُصافح الحقُّ يدَ الظلم: مداهنة لا تُغتفر
    • الأربعاء 04 حزيران 2025

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة