اقتناع وقناعة، لفظان من مصدرٍ واحد يتقولبان على معاني متشابهة ويشوبهما تاءُ التفريق حتى يُصبحا على طرفي نقيض مابين انسيابية القبول وعثارِ الرفض والجدال.. ليُصبحَ السؤال: (هل نقنعُ أم نقتنع؟).
قد جابه التديّن منذّ انبثاقه في أنفسُ المؤمنين أياديَ الذين زعموا أن يدَ الله مغلولةً وغاياتهم مُنسابةً إلى قلع هذا الإيمان أو حتى إعادة برمجتهِ إلى ما يتناسب مع المصلحة العامة لإرادتهم الخاصة على وجه التحديد، فقد اندلعت جبهاتُ المقاومة للجوهر الإسلامي منذُ أول يومِ لإعلانه أمام معشر المكيّين مؤصّلاً منذُ ذلك الحين شرعية الجبر أو القتل التي كانت آنذاك جُلُّ ما يعلمهُ ويملكهُ القُرشيون والأيادي المُساندة لهم من أدوات، وتوالت الأزمان بتطوّر آليات المقاومة بدءاً من الحروب وصولاً إلى اجتماعات الدول النامية في نأي الأمم ذات الركيزة الدينية لُيصبحوا دولَ العالم الثالث على أساس تصنيفاتهم ومواثيقهم التي تتجلببُ بسمات التطوّر الأخاذة والديمقراطية الناعمة، واستمروا بالعمل تحت الطاولة المستديرة والتخطيط لصناعة العباءة اللامرئية للتخريب والتي سيرتديها أجيال التدينُ حتى يظهروا بزي الدين الجديد.
سُجلت في عام 1983 مُحاضرة للعميل السوفيتي السابق "يوري بيزمينوف" والتي يُطلقُ عليها بالمحاضرة الأخطر في العالم لكونهِ يشرحُ بكل جرأة أسس تخريب المجتمعات من دون دواعي الحرب، وقد ذكر فيها قول الفيلسوف الصيني : Sun Tuz" إن أعلى فنون الحرب هو عدم القتال على الإطلاق بل هو تخريب أي شيء ذو قيمة في دولة عدوّك"، وقد سرى مفعول هذه الكلمات على أساليب الحرب الجديدة حتى باتت أفكاراً وأقوالاً يتغنى بها شباب الأمة من دون الوعي الكافي لخطورتها.. ومنها فكرة وجوب الاقتناع بالأوامر الإلهية ومناقشتها قبل التطبيق، فَهل يُدرَكُ العلمُ المُطلقُ بعقلٍ محدود؟
إن فكرة القناعة في المحور الإسلامي تدور حول العلم بأهمية الشيء ونتائجه ثم قبولهُ والرضا بهِ ليكونَ كنزَ العُرفاء الذي لا يفنى ولا ينضب، في حين أن لُب الاقتناع الذي يُحاول الغرب أن يزرعهُ فينا لا ينمُّ إلا عن التشكيك مُتغافلين عن محدودية العقل البشري الذي لم يُدرك حتى الآن الجُزء الآخر من وجوده وهي الروح، فكيف بمخلوقٍ لم يستوفِ معرفة تركيبتهِ أن يُجادل بحُكمٍ إلهي لا ينشأ إلا عن إلمام الرب بِكُل أركان المكرمة والمفسدة على الأصعدة البشرية والكونية؟
لقد تفشّت ظاهرة (الاقتناع) بين فئة الشباب خاصة كضربٍ من ضروب العنفوان ومحاولة رسم حدود الشخصية مُتغافلين عن عدم تساوي كفتي النقاش بين المخلوق والخالق ومتناسين أن الإتباع والتسليم هي سمةُ الحذقين، فإن اختيار الفرد لقدوتهِ ينمُّ في أغلب الأحيان عن اعترافهِ بحكمة هذهِ القدوة وقلّة الخطأ في نتاجها، فمن يختارُ أم يُجادل قدوتهُ فقد اختار أم يُجادلَ أهليتهُ في الاختيار بل سذاجة قراراتهِ ومقاييسه، فماذا بمن يُجادل رباً يعلم تماماً أنهُ العليمُ الحكيم؟
"عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتاه رجل فقال: وقعت فأرة في خابية فيها سمن، أو زيت، فما ترى في أكله؟ قال: فقال له أبو جعفر عليه السلام: لا تأكله، فقال له الرجل؟ الفأرة أهون على من أن أترك طعامي من أجلها قال: فقال له أبو جعفر عليه السلام: إنك لم تستخف بالفأرة، وإنما استخففت بدينك، إن الله حرم الميتة من كل شئ".
فالتسليم لا أن تُسكت عقلك وتتبع أوامر السماء وإنما أن تعطيهِ حقهُ في إتباع خارطة الطرق لحياة سليمة.
اضافةتعليق
التعليقات