اعتادت الحاجة أم خالد الذهاب في ليالي عاشوراء مع أبنائها لحضور مراسيم العزاء المقامة بين الحرمين الشريفين، تقف مع ثلة من النسوة المتواجدة في مكان مخصص لحضور المآتم الجوالة, لم تتوانَ أمُ خالد يوما عن حضورها منذ أيام زوجها الراحل حيث ترافق اليوم أبنائها, ومن أكثر الطقوس المحببة لقلبها كانت مشاهدة المشعل الحسيني (الهودج)..
مشاهد خلدها التاريخ
منذ بداية شهر محرم الحرام اتشحت شوارع مدينة كربلاء المقدسة بالسواد ايذانا بالحزن المرتقب لمصاب سيد الشهداء وأهل بيته (عليهم السلام) فتنساب إلى الذاكرة مشاهد خلدها التاريخ بشعائر وطقوس مراسيم العزاء ومن جملة تلك المراسيم المشعل الحسيني أو (الهودج) الذي كانت تنظر إليه الحاجة أم خالد وهي تبكي بحرقة تملأها العبرة..
حدثتنا قائلة: كان زوجي أحد حملة الهودج الحسيني وعلى رغم ثقل وزنه إلا أنه لا يشعر بذلك وكان يتأهب في كل عزاء لحمله ويكون في بداية المسير وأحيانا يتوسطهم واليوم أرى ابني خالد يأخذ دور أبيه وأنا فخورة بهذا الإرث الذي تركه والده له.
نكهة خاصة
وترى أم قصي إحدى الزائرات وهي في عقدها الستين أن هذه الطقوس لها نكهة خاصة كما تضيف لموكب العزاء المرتجل نوع من الاثارة بالفاجعة التي ألمت بأهل البيت (عليهم السلام) كما اعتادت الحضور مع زوجها لمشاهدة مراسيم العزاء خصوصا رؤية المشعل الحسيني والمجسمات الأخرى التي ترمز لواقعة الطف.
إتقان هندسي
والتقينا بحامل الهودج خالد عودة ليحدثنا أكثر عن تفاصيل المشعل الحسيني قائلا لنا: يمثل حمل الهودج ودورانه بين الحرمين الشرفين سلام وتحية للإمامين لهذا له مكانة كبيرة في العزاء المُقام.
لهذا كان المقيمون على صناعة المشعل الحسيني أو الهودج منذ الأزل يتفننون به بابتكارات مميزة ملفتة للانتباه من حيث التصميم والزينة, ففي الماضي كان يزين بمشاعل نفطية, وبتقدم السنوات أصبحت غازية ثم كهربائية, ثم تطورت بعد ذلك وبشكل تدريجي حتى عرف (لوكس الانارة) وغيرها.
وأضاف: كما هناك مواكب أخرى يكون مشعلهم مزين بالريش الملون والدرر الزجاجية المستوردة، والورود, حيث يتم وضع هذه الزينة عليه.
وتابع: إن الهودج هو عبارة عن هيكل كبير صنع من الحديد أو الالمنيوم بإتقان هندسي خاص ويكون غالبا على شكل سفينة, وعلى طرفيها رأس تنين، كما يتوسطهما قبة تمثل قبة الإمام القاسم ابن الحسن أو قبة الامام الحسين (عليه السلام) أما الشموع فهي تمثل الشهداء، وهو من العادات والتقاليد القديمة التي عرفها الكربلائيون.
كيفية استخدامه
وعن كيفية استخدامه قال خالد: يمتاز حمل الهودج الحسيني بطرق خاصة من قبل شخص واحد, وذلك بعد الممارسة والتدريب المسبق عليه، إذ يتم تثبيت الهودج بعمود في وسطه ثم يربطه حامله بحزام قوي على خصره ويسير به ويلتف بشكل دائري لبضع دقائق، ثم يناوبه على ذلك أشخاص آخرون, ويتراوح وزن الهودج ما بين (100ـ300 كيلوغرام) وهذا الوزن الثقيل يدل على أن من يحمل هودج الامام الحسين (عليه السلام) ليس بالقوة البدنية العالية وإنما بالروح الحسينية والايمان القوي, لذلك هناك صلة بين حامل الهودج والامام إذ يمده بالعزيمة.
ختم حديثه: ما زلت أتذكر أبي (رحمه الله) وهو يتدرب على حمله في فناء بيتنا كما كنت أساهم بتنظيفه معه قبل العزاء وتزيينه أيضا.
ملامح عاشوراء
يعتبر الهودج أحد ملامح عاشوراء المبجلة التي تمتاز بها مواكب العزاء الحسيني حيث يتقدم في بداية الموكب أثناء تأدية العزاء لإنارة الطريق أمام المعزين آنذاك.
وقد زاول أسلافنا هذه الطقوس من ذي قبل, حتى بقى صدى أثرها ليومنا هذا, على رغم تواجد الكثير من سبل الانارة لمراسيم مسيرات مواكب العزاء, وبهذا يبقى الهودج الحسيني الرمز الباقي أبداً ودائما على مر الأزمان.
اضافةتعليق
التعليقات