في زمنٍ تتغيّر فيه العلاقات بسرعة، تبقى الصداقات لغزًا جميلًا نحاول أن نفهمه. فهل ما زالت الصداقة تحمل معناها الحقيقي وتُقاس بالوفاء والصدق؟ أم أصبحت رهينةً للظروف والمصالح؟
من خلال هذا الاستطلاع الذي أجراه موقع (بُشرى حياة) وطرح فيه سؤاله على عدد من النساء تحديدًا، نودّ أن نعرف عن الصداقة اليوم، وما معناها بالنسبة إليكِ.
أنوار عايد شنان / بكالوريوس آداب أجابت قائلة:
"بالنسبة لي، الصداقة والصديقات جانبٌ مهم جدًا في حياتي، وأعتقد أنّها أكثر شيء أنا محظوظة به والحمد لله. دائمًا ما أسمع من البعض أنّ صديقتي غدرت بي أو تركتني، والأسباب عجيبة. أمّا معي فالأمر مختلف جدًا، فأنا أرى صديقاتي أحسن مني، وأكرم مني، وأطيب مني، وأقول ذلك بكل فخر واعتزاز.
وأنا أختار من أتعلم منها، فمهما بلغ الإنسان من العمر يحتاج أن يتعلم كل شيء يخصّ أمور دينه ودنياه. وهذا الكلام ليس مجرد حبر على ورق، بل أتحدث عن تجاربي معهن. لديّ صديقات العمر منذ المرحلة الابتدائية، وإلى الآن نحن على تواصل ونلتقي. والغريب أن الحياة لم تأخذ منهن شيئًا، بل ازددن طيبةً وصفاءً ونقاءً. ولذلك هنّ بالنسبة لي (خط أحمر)، وأحاول دائمًا أن أكون عند حسن ظنّهنّ كما عهدتهنّ معي."
شيماء عدنان / خريجة دبلوم فحص البصر قالت:
"أبحث في الصداقة عن النوعية لا الكمية؛ فهي برّ الأمان في نظري بلا قيود ولا حسابات. أتصرف بطبيعتي، وأتكلم بعفويتي، وأتعامل بجوهري. الصديق هو من لا يحتاج أن أفسّر له معنى كلامي، ولا أقلق من حكمه على فعل أو كلمة تصدر مني.
الصداقة بالنسبة لي قد تكون سويعات أسرقها من يومي المليء بالمسؤوليات؛ كوني أمّ فلان أو زوجة فلان أو بنت فلان، لأعيش ساعاتٍ أكون فيها (شيماء) كما أنا بطبيعتي. قد أضحك بصوت عالٍ، وقد أبكي براحة، وأتصرف بعفوية، وأشارك رأيي، وأُفضفض عن همومي بلا قيود.
والأهم من كل شيء أن صديقتي هي سندي الذي ألجأ إليه دون مقدمات أو عتب أو أحكام، وتكون موجودة في حياتي في أي وقت وعلى أي حال."
المحامية هناء عبود فاضل قالت:
"عانيت ما عانيت من موضوع الصداقة، ومع مرور سنين العمر إلى الآن لم أحظَ بصديقة حقيقية. مارست مهنة المحاماة لمدة 18 عامًا في المحكمة، وأستطيع القول إنني صديقة مثالية، ويشهد لي كل من يعرفني. يلتجئ إليّ من يحتاج المساعدة، ولا أتردد أبدًا في العطاء، بينما لم أحصل في حياتي إلا على زميلة في العمل أو جارة في الحي وكثير من المعارف، وكانت تجاربي معهم سيئة جدًا.
النفاق من قِبلهم أكثر ما كان يؤلمني. للأسف – وكما كانت تقول أمي – “العين لا تحب الأرجح منها”. أغلب من عرفتُهم في المجتمع أفتح لهم قلبي وبيتي، يزورونني ويأكلون من طعامي، يجلسون معي ويتكلمون ويضحكون، وعندما أحتاجهم لا أجدهم، بل تسببوا لي بالكثير من المشاكل والأذى، وأنا بطبعي أنسحب مباشرة بلا أي ردّة فعل."
وأضافت: "في مجتمعنا اليوم كثيرون يتوهمون بأنهم أصدقاء؛ يبتسمون في وجهك ويتحاورون معك، وما إن تذهب حتى يتكلموا بظهرك وينتقدوك. بينما صديقك مرآتك العاكسة، يفترض أن تقول له ما تودّ قوله وجهًا لوجه بكل شفافية، لتقوم بواجب الصديق الحقيقي. وبسبب ما عانيته قررت الاعتكاف، وعدم الانخراط المنفتح مع المحيطين مرة أخرى. حصّنت بيتي وزوجي وأولادي من هذا الأذى، وقلّلت التواصل، بل ولا أجيب حتى على اتصالات البعض ممن تأكدت من نواياهم ووجودهم في حياتي من أجل (المصلحة)، وقد ظهر ذلك من تصرفاتهم أكثر من مرة."
وختمت قائلة: "أشعر بالوحدة والقهر أحيانًا، وأتمنى من الله أن أجد يومًا صديقة تحبني وتخاف عليّ وتحتفظ بسري وتصونني في غيابي، وتكون لي مثل أختي. أصبح هذا الشيء نادرًا في هذا الزمان، وليتني أحصل على صديقة حقيقية واحدة!"
الكاتبة إيمان هاني قالت:
"الصداقة من أسمى العلاقات الإنسانية التي تقوم على المودة والاحترام والتعاون. إنها كنز لا يقدَّر بثمن، فهي زهرة جميلة تزيّن حياتنا بالحب والوفاء والإخلاص. والصديق الحقيقي هو الذي يساند صديقه في الأفراح والأحزان، ويكون قريبًا يفهمنا حين نتكلم وحين نتألم.
وأعظم هدية يقدمها رب العالمين لنا أن يرزقنا شخصًا يحبنا بصدق ويتمنى لنا الخير. "إذا ملكت صديقًا وفيًا فاعلم أنك ملكت الدنيا بأكملها". فهذه نعمة من الله عز وجل؛ أن يخلق لنا أصدقاء كأنهم دواء لقلوبنا من كل داء."
وأضافت: "الصداقة لا تُقاس بعدد السنوات، بل بالمواقف. وهي ليست مجرد كلمة، بل مشاعر صادقة. فعلينا أن نحرص عليها ونزرع حب الخير في قلب من نحب."
إيناس شفيق البديري / خريجة الإدارة والاقتصاد قالت:
"في كل مراحل حياتي، كانت الصديقة بالنسبة إليّ أكثر من أخت، بل وحتى أم. فقد عشت معظم أيّام عمري في الغربة بعيدة عن أهلي، فعوّضتني الصديقات عن عائلتي. وخلال أكثر من عشرين سنة، ومع انتقالي من دولة إلى أخرى، كانت للصديقات اللاتي تعرفت عليهن مواقف لا تُقدّر بثمن.
قضيت عشر سنوات في ماليزيا، وأربعًا في ليبيا، وثماني سنوات في عُمان، ثم عدت سبع سنوات إلى بلدي العراق. ولله الحمد ما زلنا على تواصل مستمر رغم البعد."
وأضافت البديري:
"الصديقة بالنسبة لي أقرب قريبة؛ تعرف كل تفاصيل حياتي، تحب إيجابياتي وتتحمّل سلبياتي. ألجأ إليها في كل وقت، لأنني كثيرًا ما لا أستطيع البوح بما يؤذيني لأقاربي خوفًا عليهم، فأُظهر لهم أنني أعيش براحة ورفاهية عكس ما أعاني، استحياءً وخجلًا من ظروفي الصعبة. بينما الصديقة كانت دائمًا طوق النجاة، ولم تخذلني أبدًا.
وكنت محسودة على نعمة الصديقات الوفيات، حتى إن زوجي قال لي يومًا: أنتِ تحبين صديقاتج أكثر مني! من شدة حبي لهن، فهن أكثر من يفهمني، ولولا وجودهن لما استطعت أن أكمل حياتي وأتجاوز الأزمات.
وأعتبر هذا توفيقًا ورضا من الله تعالى؛ فقد جعل وجودهن في حياتي نعمة عظيمة. واعتدت أن أطلب المساعدة من الصديقة بالدرجة الأولى، وأفضّل ذلك حتى بعد عودتي إلى وطني وأهلي؛ فربَّ أخٍ لك لم تلدْه أمّك."
تُعتبر الصداقة رابطًا مقدسًا يقوم على أسس عميقة من المودة والثقة والإخلاص، حتى تشبه الرابطة الدينية أو الروحية عند الكثيرين. ويُنظر إليها على أنها علاقة لا تُقدّر بثمن، لأنها تتجاوز المصالح وترتبط بالإيمان.
الصديق الصدوق خير رفيق في هذه الحياة، ولا يُقال عن الرفيق صديقًا إلا إذا تحلّى بالصدق والأمانة والوفاء والعطاء دون مقابل. وإن تحظَ بصديق صادق أمين، فقد حظيت بالطمأنينة والسعادة على مرّ الزمن.








اضافةتعليق
التعليقات