أحد الأسباب المؤدية للانتحار هو أن أول عاصفة تعصف بهذا الصنف بسبب الرواسب (الإنسانية) الفطرية التي بداخله، والتي خلقها الله تعالى في كل منا ليميز بين الخير والشر في الحياة، أو كما قال سبحانه: "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" [سورة الشمس: ۷-۱۰ ].
وأما المضحك المبكي - للأسف- أنه عندما يستجب هذا الصنف إلى تلك الرواسب (الإنسانية) فهو يشقى مع إلحاده؛ وذلك لأن لوازم الإلحاد المادي هي عدم التقيد بأي شيء معنوي، فإذا أراد في المقابل -كحل بديل ليريحه من عنائه- أن يزيد من وتيرة التقمص (الحيواني) كملحد، على أمل قطع هذه الرواسب (الإنسانية) سريعًا ليتخلص منها ولا تزعجه، فلا تجده إلا وقد زاد نفسه ألمًا وإحكامًا لغرقه في مستنقع الفشل، فمثله في ذلك مثل الواقع في الرمال المتحركة Quicksand ، فإن هو سكن لوضعه واستسلم تجده وقد ازداد نزوله ببطء نحو هلاكه، وإن هو تحرك محاولاً الخروج تجده وقد تسارع نزوله أكثر في الرمال مما لو سكن..
أما الألم الدائم هنا لهذا البئيس ذي البقايا تحت (الإنسانية)، فهو أنه يجد نفسه مضطرا للدفاع عن سلوكيات وأقوال غيره من الملاحدة الذين حققوا لوازم الإلحاد من التحرر الظاهري من كل قيد أخلاقي أو قيمي أو عرفي أو ديني، دعوى الحرية الشخصية، وشعار "أنا حر إذا لم أضر"، فتجده يدافع عن سلوكيات وأقوال الشاذين جنسياً، وعن الممارسين للجنس مع الحيوانات، وعن المنادين بالتعري في الشوارع وفي الوقفات، وعن الممارسين لزنا المحارم أبا أو أمًا أو أختا أو أخا في بهيمية أسفل من الحيوان، وعن المنادين بحرية تبادل أو خيانة الأزواج والزوجات حيث لا حرج في الإلحاد في تصريف الشهوة (الحيوانية) مع من يريد .. والقائمة تطول وتطول وتطول مما يؤلم نفسه ويجرح روحه في كل يوم وليلة عشرات المرات. تجد ذلك الألم والضياع وتلكم الحسرة في تعليقاتهم في مواقعهم ومنتدياتهم وحساباتهم في الفيسبوك وتويتر وغيره، فإن سألت هذا الصنف هل ترضاه لنفسك؟ يقول لا. هل ترضاه لأمك ؟ لأختك؟ لزوجتك؟ يقول: لا.
وهنا تقف على حقيقة تشتته ونفاقه النفسي وازدواجية المعايير الأخلاقية التي تتصارع في داخله كلما ابتعد عن الدين والفطرة، إلى أن يقرر في يوم من الأيام علاجاً أخيرا لحالته وآلامه بالانتحار .
ملحوظة: حتى المؤمنين بإله عندما يرتكبون أفعالًا تتنافى مع إنسانيتهم وفطرتهم وأخلاقهم، كالحروب الظالمة مثلا ودفع الجنود بالأمر لقتل وإبادة الأبرياء، فإن رد الفعل النفسي لديهم يكون غاية في الشقاء والألم، الذي يطاردهم طوال العمر، وفي هذا الصدد لا يغيب عنا أنه إلى اليوم -وبعد عشر سنوات تقريبا- لم تزل تسجل الولايات المتحدة الأمريكية أعلى نسبة (انتحار) لجنودها العائدين من حربي أفغانستان والعراق، حيث أعلن الناطق باسم وزارة الدفاع أن عدد المنتحرين في ٢٠١٢ م وصل إلى 349 منتحر، أي بمعدل منتحر كل ٢٥ ساعة ( 4 )، في حين وصل العدد إلى 301 منتحر في ٢٠١١ م.
وأغلب المنتحرين لم يستطيعوا تحمل التبعات النفسية للحرب، ولم تنفعهم الجلسات العلاجية، أو أصيبوا بشلل التفكير الدائم حتى تشردوا عن الوظائف والأعمال، وضاقت أحوالهم ولم يجدوا من يساعدهم، فانتحروا. وأقول: إذا كان هذا هو حال (المؤمنين) مع عذاب ضميرهم عند تنازلهم عن (بعض) إنسانيتهم وفطرتهم، فما بالنا بهذا الصنف من الملاحدة إذن؟!
اضافةتعليق
التعليقات