كان يبدو عليه المرض الشديد عندما وجدوه في مقبرة وادي السلام، بدا عليه المرض، فكان وجهه مصفّرا ومحجر عيناه متورمتان وشفتاه متشققة، كان نائما ومغطى بالتراب قرب قبرٌ لسيدة، يبدو بناءه جديدا.
نقله العاملون في أحد مكاتب الدفن إلى المستشفى عسى أن يسعفوه، بعد محاولات مضنية من قبل الأطباء تمكنوا من إعادة الحياة لذلك الصبي ذو الحادية عشر عاما، لم يكن يحمل معه أي مستمسك يدل على إسمه أو مكانه، انتظروه لعدة ساعات ليعود إلى وعيه ويتمكنوا من معرفة هويته.. بعد أن استعاد وعيه تم طرح الأسئلة عليه من قبل الطبيب المختص لمعرفة الأسباب التي أوصلته لهذا الحال..
فقال: أمي كانت تحتضنني قبل النوم فكنت أشعر بالدفء والطمأنينة وعندما أسمع دقات قلبها كأنها ناي يسرقني إلى عالم جميل، حتى أحلامي كانت جميعها سعيدة بقربها، صوتها في منتصف الليل وهي تدعو كان أحنّ الأصوات، كنت أرى النور من خلال عينيها، في الصبح أفتح عيناي على وجهها وصوتها العذب وهي تقول: هيا يا عزيز قلبي انهض.. قبل موتها أخبرتني أنها لن تتركني في هذا العالم الموحش ثم توفيت وتركتني..
رحلت لتخبرني بأن الطيبين لا يدومون طويلاً، حياتي مؤلمة عندما أحتاجك يا أمي ولا أجدك، حزِن قلبي بوفاتك وبكت عيني لفراقك، ولا زالت روحي تشتاق لكِ، حاولت أن أجد نصف حبها في أبي وجدتي رغم حبهم الشديد لي ولكن لم يتمكنوا من سد الفراغ بداخلي، لذلك تركت البيت هاربا إليها، واجهت الكثير من المشاكل في الطريق لم يكن لدي مال ولا مأكل طوال الطريق حتى وصلت الى المقبرة، شعرت إنها تناديني رغم أنني لم أدخل المقبرة من قبل إلاّ إنني واصلت السير حتى رأيت أسمها على القبر أمامي، شعرت أنها كانت تحدثني، رقدت بجانبها وغططت بنومٍ عميق لم أنمه منذ وفاتها..
في منامي قالت لي: أنا لم ولن أخلف بوعدي، فأنت ستأتي معي، ثم نظر إلى السقف قليلا وابتسم، ثم تمتم بصوت خافت: أمي لن تخلف الميعاد، تركه الأطباء ليرتاح وفي الصباح كان عبد الله قد فارق الحياة بدون سببٍ طبي يذكر.
اضافةتعليق
التعليقات