هلع أصاب نجوى وهي تتفحص من حين لآخر جبين ابنتها "يقين".. ما الممكن أن تغدقه على جسمها الهزيل بسبب المضاعفات وبسبب طارئ قد سلب الحركة النشطة منها بعد عدة ساعات.
لم تعد تلك الطفلة العبثة، ولم يُسمع في البيت صدى لعبها وصوت ضحكاتها ومناداتها لأمها، كل حين تطلب شيء أو تريها اياه، حاولت الأتصال بزوجها ولكنه لم يجب، لم تعد تستطع الانتظار أكثر، تخشى أن تخسر ابنتها هنا على هذه الحالة وليس بيديها إلا فوطة وماء فاتر لم تسعفها بخفض حرارتها تلك.
يا صغيرتي يا ليت الذي يؤلمك بي أنا، أنّى لترافة جسدك ان يتحمل أذىً كبير كهذا، كففكت نجوى دموعها، التقطت عباءتها ومحفظة نقودها وحملت يقين وخرجت مسرعة..
هناك مشفى عام على بعد كليومتر واحد قد تصل إليه لو سارت حاملة يقين بعد وقت قليل، ها هو أمامها كقلعة غامضة لا يعلم أي احد ما يقبع فيها قد يكون الشفاء هناك، نظرة خاطفة على الشارع؛ السيارات لا تتوقف إنه شارع عام وهي تحمل يقين بيدين مثقلتين، دون تفكير عبرت وسط اكتظاض السيارات كأنما ترمي روحها على معبر هلاك، ولم تصل للمشفى إلا فاقدة الوعي ولكن طفلتها سليمة.
بعد عدة ساعات عاد زوجها هيثم، نادى: "نجوى" بعد دخوله للبيت مباشرة قابله صمت عاجز عن الرد، تجول في البيت مكرراً النداء وباحثاً عنها أيضاً وعن ابنتهما "يقين"..
فكر في كل الاحتمالات، قد تكون ذهبت إلى بيت أهلها، ليتصل بها ويتأكد سيخبرها أنه سيأتي لأخذها بعد ساعتين فيكون قد استراح.
نجوى لم تخرج بهذه الطريقة يوماً دون أن تعطيه علم، أخرج هاتفه وجد إتصالا فائتا منها، أمعقول أنه لم يسمعه؟
الضوضاء ربما حجبت نغمة الهاتف، تضيع مشتتة في عمق ترددها، إتصل بها، وصوتان يغمران حاسة سمعه، أحدهما يصدر من سماعة الهاتف بأنه يرن والاخر يصدر من الطاولة في غرفة نومهما.
نجوى ليست بالبيت ولم تأخذ هاتفها معها. هل تراها غادرت ولم تعد لأنه رفض أن تعمل مشروعها الخاص، وا آسفاه هو لم يكن معارضا على الفكرة ولكنه معترض على التوقيت فلا تزال يقين طفلة صغيرة..
همّ بالخروج رغم تعبه الشديد وملاحقتها إلى بيت أهلها حيث ظن أنها ستكون هناك.
في داخل نفسه إمتعاض، إنه لا يتقبل حركات الصبا هذه الآن ولا قبلاً، ولولا قلقه عليها لكان الآن ينعم بقيلولة مريحة وقبلها غداء شهي..
غداء.. تذكر أن المطبخ يخلو من أي أشارة على أن نجوى طهت، وآه طويلة تنهد بها وتآكل مع صبره قدرته على تحمل القلق، يترقب وصوله إلى مسكن عائلتها ليطمئن قلبه..
الإطمنئنان.. كان براً بعيداً عنه فلم تكن نجوى هناك، فانطلق من فوره للبحث عنها هو وذووها
في كل مكان، بدأ بصديقاتها والاقارب، وبعد أيام ثلاث ملأ اليأس قلوبهم فقرروا البحث عنها وعن ابنتها في المشافي والمراكز..
ممرضة في الاستعلامات لمستشفى الاطفال ردت على والد نجوى عندما كان يسألها على يقين وهل أحضرتها أمها إلى هنا، ردت بعد بحث في كل الأسماء، إن كانت مفقودة فعليك البحث في مجهولي الهوية، أليس كذلك؟
وراحت تبحث له عن خيط ليجد أن هناك طفلة وامرأة جلبتا إلى المستشفى قبل عدة أيام، الأم متوفاة والإبنة لاتزال في المشفى..
كأن نجوى قدمت نفسها قربان لتضحي بروحها لتعش يقين سالمة، ولكن قلبها كأم أنساها كل شيء؛ اوراقها، هاتفها، أن تبلغ جارة لها أو أن تطلب منهم مساعدة..
الهلع او الجزع لا يكلفنا إلا خسارة كبيرة، ولكن الصبر والتماسك هما مفتاحا التصرف الصائب،
تركت في قلب زوجها واهلها جذوة حزن وألم كبير..
اضافةتعليق
التعليقات