إن قول كلمة الحق أمام ظالم أو سلطان جائر أو إنسان إتبع الظُلم ونَاصَرهُ، يعني أن تكون صادقًا بموقفك اتجاهه، وصادقًا مع نفسك محترمًا إياها، وبذلك تحمي فطرتك التي جبلت على الصدق من أن تتلوث بمشايعة أهل الكذب والتكذيب لآيات الله تعالى.
وتجنبها النفاق لأنك إنسان سوي فيما تُظهر وتبطن، فلا تمتزج بأقوالهم التي تُنبئ عن معتقداتهم، فتحصن معتقدك ورأيك وقيمك ومبادئك، وتحفظ لقلبك سكينته واطمئنانه.
لذا موهوم ذاك الذي يداهن الباطل، ويصفق للسلوك الخاطئ، ويبتسم بوجه الظالم، ذاك الذي لا يُضيء لمن يعيش الظلمة بل يقاسمه ظلمته بالصمت، فحتى الصمت يوجب اضطراب في النفس، وفقدان الاطمئنان لها إن أراد صاحبها أن يرى حقيقتها فيما بعد، لأنها كبتت ما كان يجب أن تبوح به.
هكذا تعلمنا مولاتنا فاطمة الزهراء(عليها السلام)، فهي التي قالت الحق في موقف صمت به الأغلبية، وذلك في ختام كلمات خطبتها النورية لما قالت (عليها السلام): " ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة منّي بالخذلة التي خامرتكم، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنّها فيضة النفس ونفثة الغيظ، وخور القنا، وبثّة الصدر، وتقدمة الحجة،..."(١).
فالسيدة(عليها السلام) ذكرت عدة أسباب دعتها لقول ما قالت، وأول الأسباب هي لأنها فاطمة (عليها السلام)، فهي التي فُطمت عن حُب الدنيا والقبول بفعل أهلها، فهي لا تخشى إلا ربها؛ فالكثير ممن يصمت ولا يجاهر بالحق لأن خوفه من الخلق أكبر من خوفه من الخالق، إذ قال تعالى: { أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }(التوبة:13)، فأهل الإيمان لا يخشون إلا الله تعالى.
وهذا ذاته ما يمكن أن نفهمه من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"(٢)، بالنتيجة فإن قول الحق هو الحد الوسط الذي يحفظ ايمان الإنسان من أن يكون ضعيفا، والسيدة (عليها السلام)غيرت بلسانها ويدها، لأنها من أهل الإيمان الكامل التام القوي.
ثم بينت أنها قالت ما قالت لأسباب نفسية، فأن نقول الحق بصوت عال يعني إنك تُسمع نفسك أولاً وقبل أي أحد إن هناك باطل أمامكِ-أيتها النفس- لكيلا تستميل أو تميل إليه، ومن ثم يسهل لها أن تسمح له بأن يكون فيها، ويكون صاحبها تابعًا له.
ومن ثم فيه تنبيه لنفس القائل ولفاعل ذلك الباطل، كما صرحت السيدة الزهراء (عليها السلام) بكون ما قالته لإلقاء الحجة، ففيه إنارة لظلمة ذلك التائه في ظلمات السوء والشر.
فإنك إن صمت-أيها المؤمن- يعني إنك تنازلت عن دورك؛ فإن لم تُنر بوجه تلك العتمة أصبحت جزءاً منها، فتتيه مع التائهين، والمؤمن بدوره شعاع نور لا يَحل بمكان إلا وأناره سواء أن انتفع الأآخرون أم لم ينتفعوا-باختيارهم- من نوره.
ومن هنا يتبين لنا إن قول كلمة الحق ليس شيئا سهلاً بل يحتاج إلى نَفس ذات إيمان قوي، وليس شيء هامشي بل هو تكليف ومسؤولية ليحفظ الإنسان بأدائه على كرامته واحترامه لنفسه، وتحصين بيئته من انتشار الباطل فيها، ورضى ربه أولاً وآخرًا.
______
اضافةتعليق
التعليقات