يعد شهر رمضان الكريم أنيسا للنفوس الصائمة إذ يربينا على الصبر والتحمل كما يحمل في طياته رسالة انسانية عظيمة طوقها الواجب الديني المقدس وصور عديدة من الإيثار والتكافل الإجتماعي, ومن بين هذه الصور السلة الرمضانية التي تمثل سمو روح التعاون بين الناس لتتوحد قلوب الصائمين وتظهر جوهر الصيام.
وفي جولة ميدانية لنا رصدنا جمع غفير من النسوة في إحدى المؤسسات الخيرية لإغاثة المحتاجين بانتظار دورهن باستلام (سلة رمضان) اقتربنا منهن عن كثب لمعرفة ما تحتويه السلة ونشاطات المؤسسة إلا إننا لم نبادر بسؤال المستفيدات اكراما لمشاعرهن وحفظ ماء الوجه, فاتجهنا إلى إدارة المؤسسة:
عمل تطوعي
بدايتنا كانت مع المهندس حامد الحمداني أحد المشاركين في العمل التطوعي ضمن نشاطات المؤسسة حدثنا قائلا: تعد السلة الرمضانية عادة سنوية لا تتحجم على المؤسسات الخيرية فقط بل هناك الكثير من فاعلين الخير حيث يقومون بجمع التبرعات فيما بينهم وشراء الاحتياجات الخاصة للسلة بحسب المبالغ المتوفرة.
وأضاف: ربما يرى بعض الناس أن أمر هذه السلة شيء لا قيمة له, فهو لم يذق طعم الحرمان والعوز فلا يكترث لقيمة هذا العمل البسيط الذي يسعد الآخرين ولاسيما العوائل المتعففة والأيتام.
فجميعنا يعرف الظروف الاقتصادية التي يمر بها البلاد وبأن هناك عوائل تفتقر لهذه الوجبات الأساسية ونحن كمساهمين بعمل تطوعي نسعى جاهدين بقدر المستطاع أن نلبي احتياجات العائلة المسجلة لدينا في المؤسسة.
وعن دوره في نشاطات المؤسسة قال الحمداني: لا يقتصر دوري على توزيع السلات الرمضانية داخل المؤسسة فقط بل حتى خارج المؤسسة لبعض العوائل المتعففة والأيتام حيث أقوم بإيصال السلات الغذائية لهم وذلك لأن منازل سكناهم في أطراف المدينة مما يصعب حضورهم لمبنى المؤسسة.
وكوني مسؤول اللجنة الطبية للمؤسسة أقوم بتوفر ما يمكن توفيره من الأدوية إذ أبتاع بعضها من قبل مبالغ تصلني من المتبرعين وعلاجات وأخرى من صيدليات تدعم عملنا الإنساني.
ولأني أعمل ضمن لجنة المساعدات الطبية والانسانية في دائرة صحة كربلاء مما سهل بعض المهام التي تخص المرضى من العوائل المتعففة التي تطرق باب المؤسسة من خلال احالة المرضى وارسالهم للمعاينات في العيادات الخاصة والمختبرات بحسب الحالة المرضية إذ يتعاون معنا العديد من الأطباء وبمختلف الاختصاصات لعلاج المرضى.
كما أساهم بنشاطات مختلفة ضمن أعمال المؤسسة وهي كثيرة لا يسع للمقام ذكرها.
ختم حديثه: أتمنى أن أكون بهذا العمل قد أديت دورا فعالا في المجتمع وساهمت ولو بجزء بسيط في اغاثة الآخرين ليستطيعوا أن يكملوا طريق حياتهم نحو أفق أفضل مما هم عليه الآن, ومن الله التوفيق.
ومن جانب آخر قال أحمد فاضل (محامي) وهو أحد المشاركين في الأعمال التطوعية للمؤسسة: نحن كفريق تطوعي نسعى بشتى الطرق لإيصال الرسالة الانسانية لعمل الخير والتي تعد من أولى مظاهر الدين الإسلامي عامة, كما يعد التكافل الإجتماعي من أسمى القيم والتي تعني مراعاة العوائل المتعففة والأيتام بتقديم ما يحتاجونه من مأكل وملبس حتى يشعروا بأنهم جزء من منظومة هذا المجتمع الذي لا ينساهم في هذا الشهر الفضيل الذي فيه تتجلى القلوب وتتوحد ففي أداء فريضة الصيام لا فرق بين غني وفقير كما هي في الصلاة يؤديها الجميع في وقت واحد.
وأضاف: مضى على دخولي في مجال العمل التطوعي ما يقارب العام, شاركت بنشاطات المؤسسة كافة من شراء مستلزمات غذائية سواء كانت جافة أو خضروات, وتجهيز وجبات اللحوم بشراء الذبائح ونحرها, وصيانة الأجهزة الكهربائية اضافة إلى التنسيق في العمل الاداري, والمشاركة في توزيع الصدقات والوجبات الغذائية في النواحي والأقضية, كما أشرف على مباني سكنية لإيواء المحتاجين تابعة للمؤسسة.
وعن شعوره إزاء العمل الذي يقوم به قال: أرى أن العمل بهذا الجانب جهد لا يقدر بثمن لكونه يقترن بمساعدة المحتاجين, فلا يؤمن أحدهم حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه.
غنيمة الاستثمار
كل المواعيد قدرها أن تنتهي، وحينها تصبح ذكريات إلا رمضان فحين يرحل يغدو الماضي معه حسنات, فكلما تزودنا منه رافقتنا بركاته لباقي العمر.
بهذه الجملة استهلت سهاد خالد مرزا مديرة مؤسسة سيدة نساء العالمين الخيرية حديثها واسترسلت قائلة: ما إن يحل علينا شهر رمضان المبارك حتى تطفو على سطح الذاكرة أهمية مساعدة المحتاجين من العوائل المتعففة والأيتام في هذا الشهر المبارك بشكل خاص لارتباطه بالروحانية والمغفرة ولأن أبواب السماء تفتح فيه حيث يكون أكبر غنيمة للاستثمار بالسعي والحث على نثر بذور الخير.
إن للتكافل مظاهر كثيرة منها كفالة الأيتام والمتعففين وكبار السن وهذا يؤكد تقديم المساعدة بكل أنواعها والتي دعا لها الإسلام، فللصدقة شأن عظيم وهي من أوضح الدلالات وأصدق العلامات على صدق إيمان المتصدق.
وعن بداية عملها في هذا المجال قالت سهاد: أحببت العمل في هذا المجال منذ الأزل فقد باشرت من منزلي الخاص قبل عشر سنوات وذلك من خلال تكفل بعض الأشخاص الميسورين برعاية الأطفال الأيتام من عمر يوم واحد إلى أن يبلغ، وتجهيز سلات غذائية عامة طيلة أشهر السنة وخاصة في شهر رمضان.
ثم شاء الله وبمساعدة المتبرعين أن أسعى لافتتاح هذه المؤسسة الخيرية من خلال دعمهم أذ تعد امتدادا مرتبطا بالمؤسسة الأم مقرها الرئيسي خارج العراق، وهي مؤسسة حرة مستقلة لا تنتمي لأي جهة حكومية أو غير حكومية إنما انتماءها إلى أفراد من المجتمع أنعم الله عليهم من عطاءه الوفير ليكونوا قدوة يحتذى بهم الآخرين، كما أننا في طور العمل على اصدار وثائق رسمية لمؤسستنا البكر كالإجازة وما شابه.
إذ تعد مؤسسة سيدة نساء العالمين في بداية مشوارها وهي واحدة من أصل (240) مؤسسة خيرية في مدينة كربلاء المقدسة.
وعن مجمل نشاطات المؤسسة واجراءات التسجيل قالت: تفتح استمارة التسجيل لمدة شهر واحد في آخر السنة تدون داخلها بيانات الأسرة، بعدها يتم التحري عن العائلة إذا كانت وفق الضوابط المشترطة لإعانتهم، ثم يتم تسليم كارت خاص للأسرة المستفيدة ليتم من خلاله التعرف على مستحقاتهم الشهرية، وقد بلغ عدد العوائل المسجلة (450) عائلة مستفيدة بين متعففين وأيتام.
وفيما يخص نشاطات المؤسسة فهي متنوعة ابتداء من التموين الشهري من قبل ادارتنا والكادر المتطوع وهي عبارة عن وجبة غذائية مخصصة لكل عائلة مسجلة يكون لها استحقاق شهري تتكون من أساسيات وجبة الطعام حيث تحتوي على كيس أرز من الدرجة الأولى ودجاجة مع طبقة من البيض والبقوليات ومعجون الطماطم اضافة إلى علبة من اللحم المفروم وزيت الطهي والتمر, وهناك سلة اضافية متكونة من الخضروات مثل (الباذنجان، البطاطا، والطماطم، الخيار، البصل، البامياء).
كما هناك مساهمات أخرى كتوزيع وجبات من الطحين واللحم والصدقات المالية وكفالة الأيتام بصرف راتب شهري للطفل اليتيم وذلك يكون خاص من قبل متبرع يتكفله.
ومن ضمن الحملات التي بادرت بها المؤسسة حملة (لنجعل شتاؤهم دافئ) وهي تجهيز أفرشة منزلية من أغطية ومفروشات أرضيات والثياب، وتجهيز أجهزة تسخين المياه (سخانات) وفي فصل الصيف أجهزة التبريد البسيطة (مبردات) هذا وقد بادر بعض المتبرعين بمشروع العباءة الزينبية حيث جهزنا (600) عباءة تم توزيعها على النسوة المستفيدات.
وساهمت المؤسسة أيضا بمشروع (قربة أبا الفضل العباس) وهي توزيع المياه المعقمة على العوائل المتعففة في أطراف المدينة التي تفتقر وتعجز عن توفير المياه الصالحة للشرب.
كما باشرنا بتشييد مباني سكنية للمحتاجين من العوائل المتعففة والأيتام حيث بادر كادر المؤسسة بالإشراف على مباني سكنية مبسطة تكون صالحة للسكن الكريم للعائلة وذلك من قبل متبرعين بمبالغ مالية لشراء الأرض واحتياجات البناء.
وتبنت المؤسسة نشاطات أخرى كتجهيز وجبات الطعام ودفع صدقات للمتوفين من قبل ذويهم، وأيضا نشاطات خارجية لعوائل غير مسجلة في المؤسسة كتوزيع (80) سلة غذائية لجمعية المعاقين وذلك بالتعاون مع ادارتهم، اضافة إلى مجالس العزاء.
ومن أجمل بوادر المؤسسة هي السلة الرمضانية التي تعد جزء لا يتجزأ لدى جميع المؤسسات الخيرية سواء في مدينة كربلاء أو في المدن الأخرى وحتى في البلدان الأخرى.
وتابعت سهاد: في هذا العام جهزت ما يقارب الـ(400) سلة رمضانية احتوت على كل ما تحتاجه الاسرة من المستلزمات الضرورية.
تم توزيعها على نحو واسع في المدينة مثل ناحية الحسينية وعين التمر ومناطق متطرفة في المدينة كما يساهم بالتعرف على العوائل في النواحي مختار المحلة, ولا ننسى بالذكر الايادي البيضاء التي تعمل بشكل تطوعي خلف الكواليس في تجهيز الوجبات ادين لهم بالشكر الوافر ولصاحب حسينية الـ عباس الذي افتتح ابوابها للمساهمة في عمل الخير من خلال توفير مكان اوسع والعمل بيد واحد مع المتطوعين.
كلمة اخيرة مع امنية
قالت سهاد: ما كان لله ينمو... كنت وما زلت اؤمن بأن الله يختار من بعباده من هم احب الخلق اليه ليجعل بين ايديهم رسالة انسانية تكتمل بوجودهم وبحفاظهم عليها اشعر بانني احمل عبء مسؤولية كبيرة على عاتقي ولست لوحدي فحسب بل كل المساهمين معي سوي المتطوعين بالعمل او المتبرعين وهنا تعد هذه المسؤولية الاكبر باختيار العوائل المستحقة.
اتمنى ان اكون قد اديت هذه الامانة بحرص وعناية, واني التمس العفو عمن نسيتهم سهوا ولم اتمكن من انتشال الحزن من محياهم سوى ان كانت دمعة يتيم او مسكين, اتمنى ان يبادر جميع الميسورين لعمل الخير ولو بالقليل ليسود الفرح ايامنا وتغبطنا ضحكات الاطفال الابرياء, ورمضان كريم وكل عام وانتم بخير وعافية.
اضافةتعليق
التعليقات