أرخى الليل سدوله ولاذت خلف دموعها التي لم تنضب لترتل ذاكرتها الفاجعة سرا بأنين خفي, أوقدت شمعة تنير بها ظلمة المكان إذ أمسى موحشا كصحراء جرداء مقفرة.
ما زالت تستحضر صور ما جرى بصمت مطبق وغصة كبتتها جراء شموخها وكبرياءها, فها هنا محط رحال قلب أضناه هاجس الوداع, في ليلة التاسع من عاشوراء, وها هنا كلمة لفظتها روح توسمت بالصبر والكثير من الألم, وهي تودع عزيز أمها وقرة عينها إذ امتثلت على باب خيمتها تتوعد معه اللقاء عند جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأي قلب حملته عقيلة بيت النبوة إذ شهدت مصرع بنيها واهل بيتها, وهي تنزف لوعتها بسرب من الألم على جراحات اخوتها, وتبذر المعنى على ارواحهم التي تناثرت نورا في ظهيرة عاشوراء, أي مشهد هذا واي قلب تحمل كل هذه الرزايا, وفاح بالحمد ولم يدركه الجزع, فاشعل سراج الطمأنينة والرضا بما قدره الله.
لتمضي أسيرة على ناقة هزيلة تحامي عن اطفال ونسوة, تسير بالظعن خلف رؤوس ذويها بعدما اعتلت رؤوسهم القناة في عنان السماء, وهي من خلفهم تطرق رأسها حينا وتشيح ببصرها حينا، كيف لنا ان نرسم لوحة ذلك المشهد, فقد عجز الفكر من استحضاره اجلالا لسيد الشهداء.
انقضى النهار وغار قرص الشمس في الافق, ونشر الليل سواده في السماء, لتزف ليلة العاشر ارقها ووحشتها من جديد بعد ليلة الوداع, ولكن لم يقها سقف خيمة هذه المرة.
إذ أمست الخربة مأواها هي وأيتامها, افترشت الارض بدموع حزنها المكتوم.
يال قساوة القدر حينما يخط بثقله على قلبك سيدتي لتكوني البسمة التي تضمد الجراح, وتسكت أنين العطشى, وتكفكف دموع اليتامى, وتشد من أزر الثكالى, كيف حمل قلبك كل هذا بين ليلة وداع, ومصرع الاحباب, ومرارة السبي, وبين الدمعة الساكبة والآهة الحرى, والقلب المكلوم, وما زلت تحثين الخطى نحو مجلس الطاغية لتعتلي منصة الحق, وتصدحي بآهات ثائرة ترسم علامات الزوال لتقوضي بخطبتك الهادرة أركان دولته الظالمة.
مازلتِ هناك سيدتي تقفين في كل عام من عاشوراء لتسردي لنا مشهد السكون الدامي لملحمة الطف الخالدة, لنستحضر صور الفاجعة ولتخبري العالم أجمع إن الحسين (عليه السلام) حفظ الدين بسيل من الدماء الطاهرة.
اضافةتعليق
التعليقات