طالما تراءى لنا ذلك المنظر وأصبح لا يفارقنا كروتين الذهاب للدوام أو العودة منه، شيء أصبحنا نعتاده أكثر مما نستغربهُ ومن اعتيادنا عليه أصبحنا لا نفرّقه عن عمود إشارة المرور أو الأشجار أو باقي التفاصيل الأخرى للشارع.
عندما نراهم، أول ما يتبادر إلينا هو شيء واحد فقط، هؤلاء ينبغي أن يتواجدوا في مكان آخر غير هنا؛ في المدرسة، في متنزه اللعب، في بيت دافىء، بحضن أم، ورعاية وحماية أب، أو دار رعاية خاص في حال تعذر توفر الأسرة أو عدم تمكنها من تقديم الرعاية، أو غياب أحد أفرادها.
هذا هو المفروض وما نأمل توفره وتطبيقه -بوقت غير قريب طبعا في بلد الـ لا_قانون نسبيا- عن طريق سن وتوفر قانون يُعنى بحماية الطفولة من الضياع في سكك الطرقات وتحت أقدام العوز والفاقة والعدم والعبث الذي هم فيه.
لكن ما نراه هو: طفلٌ يحمل رسالة الطفولة الضائعة في عينيه، يجوب بها الشوارع مع حاجياته ويرسلها لعيني كل ناظر..
في الشارع الواحد هناك الكثير، منهم من افترش بداية الشارع مع عبواته البلاستيكية الملأى بالبنزين المقرر بيعها لهذا اليوم، وآخر يستغل كل توقف سير، ليتولى مهمة تنظيف واجهات السيارات الزجاجية، أملا بتنظيف وجهة نظر صاحبها تجاهه فينقده الشيء القليل من المال تسديدا لا يوفي حق طفولته الضائعة..
وطفل آخر لا يُرى منه شيء من ضآلته، كيس المناديل الذي يحمله يضاهيه حجما وآخر هنا وآخر هناك.. وآخر وآخر...
منظر غير طبيعي أصبح طبيعيا بمرور الوقت وكأنه لا تكتمل لوحة الشارع إلا به، ولا يمنع ظهوره لهيب الصيف أو قساوة برد الشتاء.
ماذا يحدث؟!
الطفولة.. المراهقة.. الشباب.. والشيخوخة: مراحل طبيعية يمر بها كل بنو البشر، تباعا الواحدة تلو الأخرى، ولا يمكن الوصول لإحداها دون المرور بالأخرى، إذاً فكل مرحلة لها حيثياتها ومكنوناتها ومن حق كل انسان -فرد- في مجتمع أن يعيشها بمقتضياتها وبمتطلباتها، ومن واجبات ذلك المجتمع -من أسرة، حكومات، تشريعات، ومنظمات- أن يوفر له البيئة والظروف الملائمة لمتطلبات المعيشة الخاصة بكل مرحلة.
الطفولة مهمة وهي من أهم مراحل صياغة وصناعة الإنسان، هذا لا يعني أن بقية المراحل الأخرى غير مهمة، لكن الطفولة هي اللبنة الأساس التي يُبنى بها وبالتالي هي بحاجة إلى الرعاية والاهتمام أكثر من بقية المراحل، في الطفولة يكون الانسان ضعيفا وبحاجة للحماية والمساعدة أكثر من أي وقت، إذ لكي يقوى وينضج وينشأ نشأة صحيحة ويشتد عوده ليشق طريقه في حياة كحياتنا، ينبغي أن يعيش طفولة صحيحة وصحية بدايةً من أسرة فيها مايؤهلها لإنجاب طفل وإنبات إنسان له ما يقوّمه ويؤهله ليكون إنسان حقاً.. لا مجرد تعداد رقم يُضاف لسكان هذا العالم..
أسرة تنجب طفل لأن الأب مستعد حقا لتحمل مسؤولية الأبوة، ولأن الأم مستعدة ومدركة كونها ستصبح أما، وهما مدركان ومقدران معا حجم المسؤولية التي تقع على الآخر، لا أسرة تنجب طفلا لأن الأم والأب ليسوا على وفاق، وأن الطفل من شأنه أن يوثق الترابط والعلاقة بينهما ويجعلها أقوى.
الطفل هو انسان يُضاف للعالم، ومهمة إنجابه وتنشئته هي من أهم وأصعب المهمات في الوجود، هذا الكائن الضعيف الذي هو بأمس الحاجة لتلقي العناية والمساعدة على تقديمها، ليس مسؤولا عن إصلاح شرخ لعلاقات خيراً لها -في أغلب الحالات- أن تنتهي!! لا أن تتخذ من مهمة إنجابه للدنيا ذريعة لأستمرارها، فتنجب بذلك ضحية ثالثة، وهو غير مطالب -مهما كان الظرف- على تحمل مشقة تعييش عائلة وتقديم رعاية هو بأمس الحاجة لتلقيها!.
لذلك قبل أن نطالب بقانون -وهو من حقهم أصلا- يُعنى برعاية أطفالنا وينتشلهم من شوارع التيه والطفولة الضائعة، ينبغي أن نطالب أنفسنا بذلك أولا قبل أن ننجب أطفالا ونرميهم في الشارع ثم نطالب بحمايتهم وتحقيق حقوقهم، ينبغي أن نفكر كيف نكون جديرين بهم، كيف تكون أب جدير بهذه الأبوة، وأم جديرة بهذة الأمومة، لأن الطفل إن لم يحصل على هذين الأمرين إبتداءاً، فلن يحميه أي قانون طفولة بالعالم..
اضافةتعليق
التعليقات