يخطىء من يظن بأن الغرب هو الذي أعاد للمرأة اعتبارها وحفظ حقوقها وعضد شخصيتها، ويخطىء أكثر من يظن أن حرية المرأة مكفولة في المجتمع (الغربي) ويبالغ من يقول بأن فرص التكافؤ بينها وبين الرجل تسير على قدم وساق وأنها تعيش حياتها من دون منغصات أو معوقات،بل العكس هو الصحيح المتجسد على أرض الواقع الاجتماعي في دول الغرب، حيث تعاني المرأة الغربية من حالة إنتقاص واحتقار واستغلال بشعة في عموم مجالات الحياة.
وعندما نقارن وضع المرأة وشخصيتها في ظل مبادىء الاسلام الحنيف وتعاليمه سنلمس فرقاً جوهرياً كبيراً بينها وبين تعاليم الغرب التي تلجأ الى الوسائل الاعلامية في نشر صورة منمقة عن المرأة تختلف تماماً عن واقع الحال الذي تعيشه في ذلك الوسط الاجتماعي الذكوري الذي يحاول أن يستغلها ويحط من قيمتها ويهمش شخصيتها إلى أقصى ما يمكن.
وفي قراءة لفكر الفقيه السيد آية الله محمد رضا الشيرازي (قدس سره) حول شخصية المرأة ودور الاسلام في تقويمها وتنميته من خلال الحفاظ على حقوقها وترسيخ صفاتها الحسنة وكل ما يتعلق بخصوصياتها، فأننا سنصل إلى المضمون العميق الذي يتوخاه فكر الفقيه الشيرازي (رحمه الله) لدعم شخصية المرأة المسلمة وفق رؤية اسلامية تسبغ عليها خصالاً معينة تؤدي بدورها الى الحفاظ على حقوقها ومتطلبات عيشها الكريم في الوسط الاجتماعي بمختلف شرائحه.
وقد قدم المقدس الشيرازي (قدس سره) في سلسلة من المحاضرات المتتابعة رؤية اسلامية معاصرة عن المرأة تشتمل على رؤى ومقترحات فكرية وعملية يمكن تنفيذها على أرض الواقع لدعم شخصية المرأة المسلمة وتقويتها وزرع مقومات الثقة في تفكيرها وسلوكها، وتوضيح دورها البناء في الحياة الانسانية على وجه العموم، وأشتملت هذه المحاضرات في جملة الافكار التي عالجتها على مفردات قوة شخصية المرأة المسلمة وكيفية مواصلتها لحياتها بوتيرة متوازنة ومتصاعدة في المجتمع الاسلامي جنباً إلى جنب مع أخيها الرجل مع مراعاة المؤهلات الجسدية وغيرها بين الجنسين الذكر والانثى في ما يخص نوع العمل وحجم الجهد العضلي المبذول لإنجاز العمل.
وقد اتخذ سماحة الفقيه الشيرازي (قدس سره) من الصديقة الكبرى سيدة نساء العالمين نموذجاً متكاملاً في قوة الشخصية النسوية، كي يقدم من خلاله للمرأة العصرية مواصفات المرأة المسلمة المطلوبة أو الناجحة في الواقع المعاصر وكثيراً ما كان يعرج سماحته (رحمه الله)في عموم محاضراته التي تتعلق بالمرأة على الكرامات العظيمة التي منحها الله عزوجل الى الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (ع) بل لنساء العالم أجمع من حيث توازن الشخصية وثبات الايمان وبلاغة الكلام وملكة الاقناع وجميع المواصفات الكبيرة التي تخلد المرأة وتضعها بأعلى المراتب والدرجات في رحاب الدارين الأولى والآخرة.
وكثيراً ما ركز السيد محمد رضا الشيرازي (قدس سره) على السمات التي ينبغي على المرأة المسلمة أن تتحلى بها، وضرب (رحمه الله) أمثلة كثيرة مما كانت تتمتع به سيدتنا الصديقة الكبرى (ع) من سمات ومواصفات خالدة يمكن للمرأة المعاصرة أن تتحلى بها لكي تجعل من حياتها نبراساً ومنار هداية للنساء الآخريات.
فسمة الصبر التي كانت أحدى أهم سمات وصفات شخصية الصديقة الكبرى (ع) جعلت منها شخصية عظيمة وذات قدرات إعجازية هائلة وقادرة على تجاوز المصاعب التي كانت تتعرض لها من قبل أعداء الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي أبنة الرسول الاكرم التي أخذت عنه الحكمة والعلم وكل سمات الخلود الانساني وما بعده في مقارعة الظلم والترفع العظيم على صغائر الصغار ودسائسهم التي كانوا يكيدون بها الرسول الاعظم (ص) لأن الصديقة الكبرى (ع) من سلالته النبوية الربانية الخالدة، لكن قدرة الله تعالى جعلت من سهام الاعداء الخبيثة تطيش هباءً وتذهب جفاء.
كذلك تظهر لنا محاضرات السيد الشيرازي (قدس سره) سمة أخرى من سمات شخصية سيدة نساء العالمين (ع) ألا وهي بلاغة الكلمة والقدرة العظيمة على التأثير في الآخرين وقد ورثت عنها إبنتها السيدة المبجلة زينب الحوراء (ع) هذه الصفة، حيث أصبحت فيما بعد الصوت الاعلامي الهادر القوي والحر الشجاع المساند لثورة سيد الشهداء الامام الحسين بن علي (عليهما السلام)، حين أذهلت الجميع أعداء ومتعاطفين في مجلس المنحرف (يزيد بن معاوية الأموي) بلغتها وبلاغتها وقوة بيانها الموروث من قوة وبلاغة وفصاحة الصديقة الكبرى (ع).
وحول هذا الجانب يذكر السيد الشيرازي (قدس سره ) للنساء مثالاَ في إحدى محاضراته الانسانية العلمية الدينية القيمة، حيث وصف ذلك الموقف العظيم المؤثر للسيدة زينب الحوراء (ع) عندما أشارت بكفها للجمهور الأموي الذي جاء يتفرج على السبايا في الشام بأن يصمت استعداداً لخطبتها، وفي لحظة واحدة تحول ذلك الزعيق والهرج والمرج والصياح والضحك لذلك الجمهور الأهوج الى صمت مطبق وإصغاء تام لما ستنطق به سيدتنا الحوراء (ع) من فصاحة كلام ومن درر البيان وقوة الأسانيد لترسيخ حقائق الثورة الحسينية الخالدة، فأي موقف مؤثر وأي قوة للشخصية الواثقة التي حملتها هذه المرأة الاسلامية التي ينبغي أن تكون وتبقى النموذج الامثل والأعظم لكل النساء المسلمات وغير المسلمات حيث ورثت هذه القدرة العظيمة عن شخصية أمها الصديقة الكبرى (ع).
ولعل ما يتردد في فكر الفقيه الشيرازي (قدس) حول عظمة الكرامات التي حباها الله تعالى للصديقة الكبرى (ع) متأت أولا من امتدادها النبوي المزكى وانتمائها الى الدوحة المحمدية المقدسة، وثانياً من الصفات العظيمة التي تتمتع بها شخصيتها الفريدة، كالحكمة والصبر والمثابرة وبعد النظر وفرادة التعامل مع شؤون الحياة في مجتمع ذكوري الطابع.
وبذلك أصبحت شخصية فاطمة الزهراء (ع) مثالاً يحتذى به من قبل جميع النساء المسلمات وغير المسلمات، وهذا ما ركز عليه وفصله الفقيه الشيرازي (قدس سره) في عموم محاضراته القيمة التي خصصها للصديقة الكبرى (ع) مثالاً نسوياً خالداً، كي يمكن للمرأة المسلمة أن تحث نفسها وتقوم ذاتها وتقوي شخصيتها بما يجعلها مؤهلة للدور التربوي الانساني الكبير الملقى على عاتقها في خلقالمجتمع الاسلامي القوي المعاصر، خاصة عندما تقرأ في فكر السيد الفقيه الشيرازي (رحمه الله) صفات وسمات شخصية الصديقة الكبرى (ع) التي تتيح لجميع النساء ان يجدن فيها مثال المرأة المسلمة الخالدة.
اضافةتعليق
التعليقات