الساعة 1: 30 من ظهيرة يوم الجمعة اجتاحت البلد موجة من الحر الشديد حتى اعلنت الدوائر العطلة الرسمية، الجميع يجلس في البيت خوفا من ضربة الشمس الحارقة، وان كانت البيوت هي الاخرى لم تسلم من الحر، لعدم وجود الهواء البارد بسبب انقطاع الكهرباء لكنها تبقى افضل بكثير من الشارع .
في هذا الوقت طُرق الباب.. سار ابي نحو الباب بخطوات متثاقلة ويتذمر من حرارة الارض التي تحرق قدمه فلا يكاد ان يقف طويلا عليها.
يحدق من الباب بعيون حمراء، فتح الباب، وقف طويلا ظننت ان جارنا جاء ليتحدث عن الخط الذهبي، بعد مرور الوقت دخل ابي ومعه طفل صغير لا يتجاوز السبع سنوات ملابسه مهترئة، قدماه متشققة، اجعد الشعر، وهو يرتجف، لا يتمكن من الجلوس، صرخ ابي:اجلبوا الماء البارد والطعام .
لم اشعر بشيء فسرعان ما قدمت الماء البارد والطعام.. امسك الاناء وبدأ يشرب ويشرب حتى طلب ابي منه ان يتوقف عن الماء ويبدأ بالطعام، قطّع الخبز قطعتين وجعل الرز مع لحم وكان طريقته غريبة جدا في الاكل، قد يكون جائعا ..
انتهى من الطعام، رمى بجسده الهزيل على تلك الاريكة الناعمة وتحت الهواء البارد نام الصبي ..
لا أحد يعلم من هو ومن اين اتى، ركع ابي وبدأ يمسح على قدميه ويضمد الحروق..اشعة الشمس حرقت قدميه حتى انتفخ الجلد .
ومسح ابي بقايا الطعام، مازال نائما الصبي وكأنه يرى النوم لاول مرة صوت خافت يصدر منه ((لا تضربني)) وضع يديه على رأسه وردد هذه الكلمات.. تغيرت ملامح وجه ابي واحمرت عيناه وقال: انه يتحدث في منامه، علمت ان هذا الصبي كان يتعرض للضرب،ساعة ونصف انقضت، افاق الصبي، نظر إلى ابي نظرة حزينة لو ترجمت لقالت شكرا بحجم الوجع الذي كان في جسدي .
لم يقدر ابي على التحمل اكثر من ذلك فطلب منه ان يقص عليه حياته، حاول ان يجلس جيدا ويتحدث: انا ابراهيم، عمري سبع سنوات، اطرق الابواب لجلب الاموال لابي، كل يوم اخرج من الساعة السادسة صباحا حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل، ادور في الاسواق والشوارع من اجل ان احصل على مبلغ 75 الف دينار وادفعها لابي وان لم احصل عليها يضربني ويحرق جسدي، ابي ليس عاجزا لكنه اعتاد على خروجنا.
لست انا فقط من يخرج، اختي الكبرى تجلس على قارعة الطريق، وامي تدور على عيادات الطبيب.. سقطت دموعه واكمل: كثيرا ما كان يضربنا انا واختي ان لم نحصل على الاموال.. يبكي بصمت وجسده يرتعش، من الصباح الباكر والى الساعة الواحدة لم احصل سوى على 25 الف دينار، احترت ماذا افعل، شعرت بالدوار والصداع وطرقت على بابكم .
غضب ابي وقال له: لا بد وأن اضع حدا لمأساتك، كيف لاب ان يفعل هكذا بعائلته، يجب أن يعاقب ابيك على افعاله هذه ..
رفع رأسه الصغير إلى ابي: ارجوك يا عم ان ابي لو علم انني قلت لكم سيقتلني، لا شيء يصعب على ابي، لا بأس انا اتحمل سأخرج الان واكمل طريقي.
قبل ان يخرج من البيت دفع ابي له باقي المال وطلب منه ان يعمل افضل من ان يتسول ويطرق الابواب، لان المهنة ستعين عائلته وتحافظ على كرامته.
كنت استمع لما جرى، كل كلمة قالها الصغير كانت اداة جارحة تقطع جسدي، ماذنب هذا الصغير ليتحمل هذا الاب المجرم، ماذا لو مات هذا الصغير من الحر، هل سيبكي عليه ام يبكي لانه خسر من كان يجلب له الاموال..
مؤلم جدا عندما يقتل الولد على يد ابيه، وتخرج الفتاة لتجلب المال فتقتل هي الاخرى.
اين حقوق ابنائكم.. ولماذا لا نرى من يحاسب الاب على هذه الافعال البشعة، ونحن اهل الحقوق والانسانية، هكذا اصبحنا وامامنا السجاد (ع) اعطى كل ذي حق حقه في رسالة الحقوق، ومنها في حق الولد: "وحق ولدك أن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا وشره، وأنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل، والمعونة له على طاعته، فاعمل في امره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقبٌ على الإساءة إليه".
قال الإمام الصادق عليه السلام: "إعلموا الخير وذكّروا به أهليكم وأدّبوهم على طاعة الله".
اضافةتعليق
التعليقات