"عندما تتحدث المرأة، فاعلم أنها ما زالت بخير، لكن حين تصمت، فاعلم أنَّ الألم قد بلغ ذروته. كثيرٌ منا نحن النساء، عندما نصل إلى قمة التعب ونفقد آخر بصيص من الأمل في أن يُفهم وجعنا، نلجأ إلى الصمت.. لأنه عندما تعجز الكلمات عن حمل المشاعر، يصبح الصمت هو اللغة الوحيدة التي نعبر بها عن أنفسنا."
وفي هذا السياق كان لموقع (بشرى حياة) حوار مع الأديبة زينب الأسدي وتم طرح العديد من الأسئلة :
1_ كيف تعاملتِ مع لحظات الإرهاق العاطفي في حياتكِ؟ هل وجدتِ نفسكِ تلجئين إلى الصمت كوسيلة للتعبير؟
_ تجربة الإرهاق العاطفي من الحالات التي قد تتعرّض لها المرأة حسب ظروفها والبيئة التربوية التي تحيطها كما أنها ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالحالة النفسية والطبع الخلقي، هناك من تأخذ الأمور بسلاسة وتمرّ على الحوادث والمتغيرات وهناك من تقف عندها بتركيز أكبر على التفاصيل.
تلجأ أغلب النساء إلى التحدّث والكلام في هذه الحالات من أجل الترويح أو إيجاد الحل، على خلاف الرجل الذي يفضّل الدخول في قوقعة الصمت عند تعرّضة للضغوط، بالنسبة لي أحاول التحدّث وإيجاد الحلّ الأمثل في أغلب الحالات .
2 _ هل مررتِ بموقف شعرتِ فيه بأنَّ كلماتكِ لا تُسمع أو تُفهم، فاخترتِ الصمت؟ ماذا كان تأثير ذلك عليكِ؟
_ هناك مواقف متعددة قد يتعرض لها المثقّف عندما يتناول في أحاديثه ومواضيعه أمورًا لا تهمّ الآخرين، لذا بمرور الزمان يفضّل الصمت على الحديث، وربما يحدث ذلك بعد وصوله إلى النضج الفكري واقتناعه بأن التغيير يحتاج إلى خطّة مدروسة ولا يكفي الكلام والتوجيه المبعثر ..
3_ كيف تتعاملين مع فكرة أن الصمت قد يكون أحيانًا "صرخة" بصوت أعلى من الكلام؟
_ يفقد الكلام أحيانا وزنه المطلوب عندما لا يفهمه المتلقّي أو ينوي أن لا يفهمه عن قصد، بالتالي تصبح الحالة سيّان سواء تكلّم الإنسان أم لا، بل قد يحمل الصمت صخبًا مبطّنًا كناية عن الرفض، وهذا الموقف قد أشارت إليه بعض الروايات مضمونها أنه من رأى منكرًا فليغيره بلسانه أو يده أو قلبه .
4 _ كيف تُترجمين صمت المرأة وألمها إلى كلمات عند الكتابة؟ هل تجدين هذا التحدي صعبًا أم أنه يمنحكِ قوة؟
_ يعتمد هذا على القدرة الفنّية على التجسيد والتخيّل أو مشاهدة المعاناة بصورة مباشرة مما يثير الخوالج النفسية بالتالي الأديب هو اللسان الناطق في المجتمع عن كل من حُرم الكلام بسبب أو آخر.. ومن المؤكد أنها طريقة تشعر بالقوّة كون الكاتب لم يقف مكتوف الأيدي بل وجد طريقة لتناول الموضوع.
5_ هل هناك شخصية نسائية في رواياتكِ أو كتاباتكِ اعتمدت على الصمت كرد فعل؟ ماذا كانت تحاول قوله من خلال صمتها؟
_ نعم استخدمت هذه الشخصية في قصّة عن فتاة زوّجت قسرا بسبب الوجاهة والشيوخ الذين قدموا لخطبتها وعدم قدرة أبيها على الرفض رغم أنها كانت تنتظر قدوم ابن خالتها بعد أيّام من السفر، تستذكر هذا الموقف عندما تسألها ابنتها عن أثر ضربة من زوجها ولكنها تضع على رأسها وردة وتبتسم من دون أن تجيب ..
6_ ما الرسالة التي تودين إيصالها للنساء اللواتي يشعرن بأن صمتهن هو اللغة الوحيدة المتبقية لهن؟
_ الصمت لغة العاجزين، لا بدّ وأن هناك حلّ لكل المشاكل وهذا الحلّ يبدأ بالحديث والدفاع عن الحقّ المشروع بطريقة مدروسة.
7_ هل تعتقدين أن وسائل التواصل الحديثة (مثل السوشيال ميديا) ساعدت النساء في كسر صمتهن أم زادت من عزلتهن؟
_ وسائل التواصل الاجتماعي كانت نافذة أطلت منها المرأة على عوالم مختلفة رأت فيها كيف تعيش غيرها من النساء وكيف استطعن تحقيق النجاح وهذا حتما يرسّخ في فكرها أنها قادرة على التغيير مثلهن، كما أنها ساعدت المرأة على معرفة ما لها وما عليها.
8_ ما النصيحة التي تقدمينها لامرأة تشعر بأنها فقدت صوتها وتخاف من أن يتحول ألمها إلى صمت دائم؟
_ تستطيع هذه المرأة أن تنتشل نفسها من هذه الدوامة من خلال التعلّم والاستشارة من قبل المختصّين، ومعرفة الطريقة المثلى لحلّ الأزمة.
9_ كيف يمكن للكتابة أن تكون أداة لتحويل الصمت إلى قوة؟
_ الكتابة بحدّ ذاتها أداة قوية لكسر الصمت فبالتالي هي قول مكتوب وسوف يصل إلى أسماع ذوي الشأن بل ربما هي الأداة الأقوى كونها تتصدّر وسائل الإعلام ومواقع التواصل.
10_ هل هناك كتاب أو اقتباسات ألهمتكِ في رحلتكِ لفهم قوة الصمت والكلام؟
_ نعم، القرآن الكريم؛ وخير مثال هو سيرة السيدة مريم (صلوات الله وسلامه عليها) عندما أمرها الله عزوجل أن تلوذ بالصمت كونه الحل الأمثل في الظرف الذي كانت فيه، بينما في ظرف آخر مثل الشهادة يقول: (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه)، وقوله تعالى: (لا يحبّ الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم).
"وأخيرًا: وصمتُها أبلغُ من نارٍ تشتعلُ *** يقرأُه الجاهلُ صمتًا.. والحكيمُ كتابًا!
"صمت المرأة ليس نهاية المطاف، بل هو جرس إنذار يُقرع في وجدان المجتمع: إنذارٌ بأنَّ هناك قلبًا توقَّف عن النبض، وأنَّ صوتًا اختار أن يغوص في الأعماق لأنه لم يعد يجد مَن يصغي. قد يكون هذا الصمت لغةً لا تُفهم، لكنه في حقيقته شهادةٌ على فشل جماعي في فهم لغات الألم التي لا تحتاج إلى مترجم.
الخروج من هذه الحلقة المفرغة يتطلب أكثر من كلمات التعاطف؛ يحتاج إلى عدسة جديدة نرى بها العالم: عدسةٌ تُدرك أنَّ الصرخات الخفية أقسى من تلك المسموعة، وأنَّ المرأة حين تصمت لا تطلب الشفقة، بل تفتح بابًا أخيرًا للإصلاح قبل أن يغلق إلى الأبد.
فليكن صمتها درسًا نتعلم منه أنَّ الحوار الحقيقي لا يبدأ بالكلام، بل بالإنصات إلى ما وراء الكلام.. إلى ذلك الألم الذي يكتب سطوره بين السطور."
اضافةتعليق
التعليقات