ثقافة احياء يوم الأب موجودة في الثقافات الأخرى وضعتها فتاة تثمينا لدور أبيها في تربيتها لوحدها دون أم وبقي معها حتى النهاية، فوضعت تاريخ ميلاده الأحد الثالث من يونيو، يوم للاحتفال بيوم الأب، ثم توسعت هذه الثقافة وأصبح هذا اليوم عالمي للإحتفاء بالأب وجهوده ودوره واستذكار الآباء بالهدايا والمواقف وغيرها.
أما نحن الشيعة فلدينا الأب الذي يقول فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله): "حقُّ علي على هذه الأمة كحقّ الوالد على الولد"، ومن هنا لعله من حقوق هذا الأب هو إحياء ذكره وتراثه ومشاعره وتذكير الآباء بكيفية التعامل مع أبنائهم بلسان علي ابن أبي طالب ومعاملته مع أبنائه فهو الذي يقول في بكره الإمام الحسن (عليه السلام): "وَوَجَدْتُكَ بَعْضِي، بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي، حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي، وَكَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي، فَعَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِيني مِنْ أَمْرِ نَفْسِي".
لو توقفنا فقط على هذا المقطع من وصيته للإمام الحسن، لنجد شعورا مختلفا بالتعبير فبعد أن يقول له (وجدتك بعضي) ثم يستدرك ليقول (بل وجدتك كلي) بمعنى أن هذا الكلّ الذي امتلكه من تجارب وصفات ومعرفة وعلم وخلق وكل ما في هذا الكل هو أنت، فكلما ما تشعر به أنت أنا أشعر وهنا اشارة رائعة لعطاء قد يكون أحيانا مفقود الأثر عند بعض الآباء وخصوصا عندما يكبر أبنائهم، وهو العطاء المعنوي، أغلب الآباء يقومون بالعطاء المادي لأبنائهم، من احتياجات الطعام والشراب والملبس والمدرسة والجامعة، وحديثا ما تطلبه وسائل الرفاهية من أجهزة إلكترونية وألعاب.
لكن عندما تجلس مع الأب لا يعرف شيئا عن احتياجات الأبناء الداخلية مشاعرهم أحيانا أحلامهم خصوصا حين يتم جبرهم على تخصص معين في الجامعة، أو يفتقد هؤلاء الأبناء إلى لغة الحوار مع آبائهم، فتراهم يلجأون إلى هنا وهناك، وبالتالي تتكون مجموعة من العقد النفسية والصراعات وغيرها، فلو تعبأ الأبناء من الداخل بوجود وأثر والدهم لن يمسهم ضعف، ولن تغلبهم كلمة أو موقف، لذا فهذا المقطع من الوصية كفيل بأن يعطي درسا للآباء بالتعبئة المعنوية، وإشعار الأبناء بأنهم جزء مهم في حياته مهما عصفت بهم الحياة يتكأوون عليه، وهو داعمهم وموجود ما إن يحتاجونه، لهم وقتهم وله وقته ويجمعهم وقت واحد ينصت لهم وينصتون له ينقل لهم تجاربه، ليستفيدوا منها لا أن يكرروا أخطائه، فهو يريدهم نسخة محسنة منهم خالية من التجارب التي رأى أنها لا تجدي نفعا في حياته.
وعليه على الشيعة في كل ولادة لأمير المؤمنين أن يقفوا على وصاياه لأبنائه وتعامله معهم، وكذلك الأبناء يقرأوا ولو حديث واحد عن تعامل أهل البيت مع آبائهم، حتى تكون لهذا اليوم قيمته واحيائه فأمير المؤمنين هو انموذج حياة والقدوة التي وضعها الله (عز وجل) ما إن تمسكتم بها لن تضلوا أبدا، هذا التمسك هو السبيل لحل كثير من مشاكل المجتمع الحالية، فغياب ثقافة الأسرة والجهل بمتطلباتها وحاجاتها وحقوقها وواجباتها هو العامل الرئيسي في تشتت العائلات وكثرة الطلاق وانفصال الآباء عن أبنائهم، والزوجة عن زوجها، والمشاكل الداخلية بينهم، فلو عرف كل فرد دوره وما له وما عليه وحدوده لأختزلنا كثيرا من المغالطات الاجتماعية.
اضافةتعليق
التعليقات