قامت من مجلسها في غرفة المعيشة لتجلس في بداية المنزل إذ كان المطبخ يقع في مقدمة المنزل، اعتدنا أن ندع باب المطبخ والشبابيك مفتوحة كان ذلك يشعرها بالراحة، تجلس هنيئة وتبدأ بالسؤال عن موعد وصول أخي وهل تأخر في العودة، نعلم جميعًا أن تلك المرأة تحب الذكور وتفضلهم على الإناث لم نكن نشعر بالغيرة حينها كوننا تجاوزنا عمر الغيرة والمقارنة، بعد ذلك تتجه نحو صندوقها -صندقجة- لتغير غطاء رأسها -الجرغد- ووضع المسك والعنبر والغسل بماء القرنفل والسعد، ومن ثم تتفقد أغراضها وتنظمهم من جديد لتتأكد من اماكنهم، وتعود لتسأل عن أخي...
تمر الساعات وهي تهمس لنا كي لا يسمع والدي سخطها على تأخر أخي وبدوره يتعصب على أخي ومن الممكن أن يتعرض الآخر للتعنيف اللفظي أو البدني، تبقى السيدة جليسة المطبخ حتى يفد ذلك الشاب غير مدرك ما تقاسيه من فرط القلق عليه والضجر من تصرفه، ما أن يدخل حتى تبتسم وتنسى قلقها وضجرها وتنادي علينا أن نجهز الطعام بسرعة ولا تسمح لنا أن نتكلم ونقول ما سبب تأخرك خوفًا عليه من والدي، ما أن ننطق حتى تقول (اسبطي) أيّ اسكتي.
السيدة كانت تعلم سبب التأخر وواثقة كلّ الثقة أنه نزق لا يرعوي وما يفعله يحتاج إلى توجيه ومحاسبه، إلا أن خوفها عليه من العقاب وحبها المفرط للولد وتفضيله على البنت جعلها تداري عليه، لكنها توجه له النقد بالسخرية والمزاح وبطرق لطيفة حتى يضحك وعسى أن ينتبه.
مرّت تلك الأيام وكبرنا ولكن بقي صوت جدتي وهي تردد اسبطي عندما نريد أن نعترض على سلوكيات بعض الأولاد إذا كان الاخ أو الزوج أي شخص كان...
شاءت الأقدار أن يكون ذلك المدلل حنوناً وحسن الخلق ولم يؤثر فيه تدليل جدتي...
كم من جدة ووالدة أسكتت بناتها حتى يستقوي الذكر ويغدو عنيفًا لا يحترم كيان المرأة وينعكس ذلك على مجتمع بأكمله فكم من فاه كمم وكم من ضلع كسر تحت ذريعة (اكسر للفتاة ضلع ينمو لها آخر)، اليوم ونحن في القرن 21 وما زالت النساء تتعرض للتعنيف والاستغلال والتعدي على ابسط الحقوق، فالقوة الجسدية المهمين الأول على إنهاء جميع النقاشات والمشاكل الأسرية إذ يلجأ العديد من الذكور إلى الضرب عندما يدركون فشلهم الحتمي في النقاشات والمشاكل التي تحتاج إلى تعقل ويكون الطرف المنتصر في النقاش هم الاطفال أو الأم.
مشهد تعيشه العائلة العراقية كلّ يوم نهاية كلّ صراع حواري، هنا يبدأ الذكر بإبراز عضلاته ورفع صوته ليوصل رسالة للعائلة التي هو قوام عليها!! أن الأمر انتهى وإلا....
وفي بعض الاحيان لا يكون هنالك أسباب حقيقية تؤدي إلى تعنيف المرأة اصلًا إنما مجرد مزاج سيء ، وفي كشف لوزارة الداخلية العراقية، خلال العام 2023، أعلنوا عن تسجيل أكثر من 90 حالة عنف أسري يومياً في البلاد، في مؤشر على استمرار هذا النوع من العنف الذي تفاقم خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير، وسط غياب للمعالجات.
اعتدنا تلك المشاهد في البيوت والعمل والشوارع والمحال التجارية وعند ركوب الحافلات وأينما حل الجنسين.
المرأة ومهما كانت مكانتها العلمية والثقافية والدينية وكلّ ما يمكن من تصنيف طبقي في المجتمع هي الحلقة الأضعف والاكثر استغلالًا وتنازًلا عن الكثير من حقوقها، اختلفت الأسباب وتنوعت الشخصيات فمرة يكون الأب وأخرى الأخ وتارة الزوج ليورثها للإبن.
إن القبلية المتأصلة استطاعت أن تتغلغل وتشكل جزءاً من تكوين بعض الرجال فلم ولن يستطيعوا الانسلاخ عنها، إن الذكر العربي حبيس وأسير عقلية لا يستطيع استبدالها مهما علا شأنه وأينما وصلت مكانته تلك العقلية ذاتها هدمت أركان أسرته على مدى الدهور وساهمت بشكل كبير وأساسي في تنشئة جيل من المرضى النفسيين والمتخلفين والفاشلين، فمتى ما استطاع أن يتغير تغير المجتمع ونهض بأبنائه وصدر جيلًا خاليًا من العقد والمشاكل النفسية جيلًا لا ينكسر ولا يستغل.
اضافةتعليق
التعليقات