يقال"إن الذي يعيش بالظلمة يصل لمرحلة يعتقد أن عتمته هي نوره"، وهذا ما يوافق وصف هذه الآية لقوم نوح (عليه السلام)، كما في قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}، فكم أن تعبير الآية وتشخيصها لمرضهم كان واضح، فالكره هو المعيق الثاني الذي تكشفه لنا هذه السورة للأخذ بتذكرة الرسل والأنبياء والدعاة إلى عبادة الله تعالى وحده.
إذ قال لهم أنتم فعلًا رأيتم أن الحق معي وأني صادق بدعوتي، وأن ربي أتى بي إليكم رحمة ولكن الخلل هو أنكم رأيتم ذلك بعيونكم التي في رؤوسكم لا بعيون قلوبكم -أي ليس ببصيرتكم- لهذا لم تدركوها وكأنكم لم تروها.
فالذي استحوذ حب الدنيا على قلبه، لا يكون ذكر الله تعالى والتذكير به محبوبًا عنده، كما في قوله تعالى: {وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}، فالذي لا يؤمن بوجود حياة أخرى هو بالنتيجة يؤمن أن هذه الحياة الدنيا هي الحياة الأولى والأخيرة، فقلبه معلق بها لا بسواها.
لذا النتيجة إن حقيقة التذكير كانت بقوله تعالى (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ)، أي أنهم من لم يريدوا إبصارها لأنهم كارهون لها -وبتعبير أدق- إنهم نفسيًا لم يكونوا يريدون استيعاب هذه الحقيقة فبقيت عالية لم يرقوا إليها، فهي حقيقة بينة لمن يحمل نفسًا سوية وقلب سليم، فقلوبهم المنكسة وفطرتهم المحجوبة بحجب مرض الكره كانت المانع من أن ينهضوا من غفلتهم إلى تذكر ما جبلت عليه نفوسهم من الإيمان بالحق، وأن يقروا لله تعالى بالعبودية.
فمع أنهم كانوا بالظاهر يتظاهرون أنهم عالين إلا أن الواقع هو العكس! فالقلوب المنكسة هي تنظر للأسفل قد أكبت على وجهها، وتظن إنها تنظر للأعلى وأنها مرتفعة إلا أنها في الحقيقة قد اختارت الترفع عن النور، والانحناء والانغماس في ظلمة الكفر والشرك والفسق.
فهذه الآية تذكرنا بخطر هذا المرض النفسي، فالقلب الكاره للحق لا يمكن أن يبصر النور بل يبقى في الظلمة ولن يلتفت للنور، فالأعمى لا فرق عنده بين أن يكون بالنور أو الظلام بل لا يميز بأي المكانين هو موجود، وهكذا هو الإنسان البعيد عن الحق حاسة الاستشعار والتمييز عنده مفقودة لأنه ذو نفس كارهة لا محبة.
بالنتيجة في هذه الآية فرصة لنتفحص قلوبنا ونرى كم من حب الدنيا يملئها، لنحاول إفراغه منه، كي لا نقع في كره حقيقة أن هناك حياة أخرى غيرها، وعلينا أن نتزود لها بالأخذ بتذكرة الرسل وملئ قلوبنا بذكر رب الرسل.
اضافةتعليق
التعليقات