ألم فراق الابن لأبيه، قد يسهل علينا وصفه والتحدث عنه، ولكن كم هو صعب عمن يعشيه ويجربه ويخبرنا عن مذاقه المُر، ولكن ماذا لو كان الفراق بين من الرابطة بينهما أكبر من النسب وأعمق، إنها رابطة نورية إلهية، فهذا هو الصعب المستصعب؟!
وكأن هذه التساؤلات يرددها لسان حال ومقال حجارة بيت الله الحرام تلك التي وصفها كتاب الله (١) بأنها قد ترق وتنفع أكثر من قلوب بعض البشر القساة، وهي ترى قرة عين إمامها الرضا -إمامنا الجواد- وأبيه (عليهما السلام) وهما مقبلان عليها، بين أبٍ مودع بلا عودة وابن باق وعائد إليها مجددًا لكن بلا رفقة أبيه.
فقد طلب المأمون الرضا (عليه السلام)، إلى خراسان لولاية العهد، وها هو يحج حجته الأخيرة ،...، وهكذا قد حان موعد رحيله ليقضي ما بقي من العمر برحلة الاغتراب حتى يمضي شهيدًا بعيدًا عن ديار الأهل والأحباب، "وبعد الطواف، صار أبو جعفر (عليه السلام) إلى الحجر فجلس فيه فأطال" وكأنه بذلك يطلب المدد والعون من رب العباد، كيف لا! وما بعد القيام إلا الفراق، فقيامه من جلسته وخطواته المغادرة تنبئ عن وداع أبيه وإمامه دون عودة، وهو لم يعشْ مع أبيه عليه السلام إلا بضع سنين.
فقال له موفّق (خادمه): قم جُعلت فداك، فقال: "ما أريد أن أبرح من مكاني هذا إلّا أن يشاء الله"، واستبان في وجهه الغمّ، فأتى موفّق أبا الحسن (عليه السلام)، فقال: جُعلت فداك، قد جلس أبو جعفر (عليه السلام)، في الحِجر وهو يأبى أن يقوم، فقام أبو الحسن فأتى أبا جعفر (عليه السلام)، فقال له: "قم يا حبيبي"، فقال: "ما أريد أن أبرح من مكاني هذا"، قال: "بلى يا حبيبي"، ثمّ قال: "كيف أقوم، وقد ودَّعتَ البيت وداعاً لا ترجع إليه؟!" فقال: "قم يا حبيبي، فقام معه"(٢).
وهكذا امتثل لأمر أبيه وإمامه مسلمًا راضيًا بمشيئة الله تعالى الجارية فيه وفي كل الأولياء، لتبدأ مرحلة جديدة في حياته كإمام وليس فقط كأبن يعيش ألم بُعد أبيه ومرارة فراقه.
_______
اضافةتعليق
التعليقات