في بكارة يوم جديد تبصر ظلال الشوق لصفحات الصلوات وعدة الأعمال المتواترة في كتب الدعاء، لتفيق الأبجدية على نمط التغير وإصلاح النفس، وثقل الثواب في ميزان الحساب وحضور القيامة.
في شهر شعبان، شع وبان الغيث وتشعب في سماء الصحوة ودعاء واستغفار، وكثرت نواحيه على تبتلات زاهد قد أغرقت جفونه من فيض نور هذا الشهر الأغر..
قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
(وقد تذاكروا عنده فضائل شعبان فقال شهر شريف وهو شهري وحملة العرش تعظمه وتعرف حقه وهو شهر يزاد فيه أرزاق المؤمنين وهو شهر العمل فيه يضاعف الحسنة بسبعين والسيئة محطوطة والذنب مغفور والحسنة مقبولة والجبار جل جلاله يباهي فيه بعباده وينظر إلى صيامه وصوامه وقوامه وقيامه فيباهي به حملة العرش)1.
الهيام في ذكره ، ولد صغير يبكي لإفتقاره التعبير وقد كبل الهول مفاصل صوته..
الدمعة تحاكي قران العفو عما سلف ، وتطلب مزيدا من بهجة لتقر على مساحة من فرح ، وتهلل بالصالحات ، ويبدأ إشراقها بسورة من ذكر الله الحكيم .
شهر طوبى ، شجرة أغصانها حي على خير العمل ، وأصل فروعها كلمات الله التامات وتأملات في ولاية وبيعة الأئمة الاطهار ..
في هذا الشهر، ترتدي السواعد ذكرا متواصلا ، وترتل شكرا متواردا ، وتقرأ كتب مطهرة وحديث الصلاح لا يبارح فؤادها فرصة قيمة في حياة الطيبين معين هذا الشهر ، ختمة صلوات تهدى لنبي الأخلاق وركعتين من نافلة تزيد الاجر ولها شفاعة ودعوة مستجابة عند رب غفور ..
سجادة السحور تتهيأ ، للركوع والسجود ، وخوان النعمة فيه من الزهد ، لإستقامة النفس وكرامة لجشع العين .
القلوب تحتاج إلى قوت إحساس ومشاعر ، تلتمس من فضاء القدرة ، وسلطة التكوين بعض الاستغاثة ، لتنموية الذات وتربية الجوارح وتمديد الروح من زادها الهني لتستقيم وتستقبل الطاعة على أكف القناعة والبهجة .
في شهر شعبان ، يتعانق الصائمين فيه الخير والعافية ، زادهم الدعاء ، وحيائهم غض البصر والورع عن محارم الله . الصدق فيه علامة الواثبين ، والإحسان عملة نادرة لمن خصه الله برحمة منه وتوفيقا بالغا ، يجتمع فيه العلم والعمل ، لينتج خلقا جبارا ممهدا لبناء بيت الصالحات ..
الكلمة الحسنة بعشر أضعافها ، وغلال العطاء ممتد على مد بصر السخاء فلا تبالي اليد ولا تمتعض ، هي تجارة مربحة مع بارئها ليجزي الشاكرين .
شهر شعبان ، شهر النبوة وولادة النور ، شهر الحياة شهر لا يجد الذنب فيه مساحة لضيافته.. شهر أحياء المعاني ، وتوازن قافية العبادة وإخلاص الهمة لها.
قال أبو عبد الله عليه السلام سمعت أبي قال:
كان أبي زين العابدين عليه السلام إذا هل شعبان جمع أصحابه فقال: معاشر أصحاب أتدرون أي شهر هذا؟ هذا شهر شعبان وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
(شعبان شهري ألا فصوموا فيه محبة لنبيكم وتقربا إلى ربكم فوالذي نفس علي بن الحسين بيده لسمعت أبى الحسين بن علي يقول: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: من صام شعبان محبة نبي الله عليه السلام وتقربا إلى الله عز وجل أحبه الله عز وجل وقربه من كرامته يوم القيامة وأوجب له الجنة) .٢
تحتاج النفس إلى برهة صمت وبعض أعتذار لتراجع حساباتها ، وتعرف الغالي من الرخيص ، والبصر والبصيرة وكل مفردات صولاتها ، في شهر شعبان الأغر ، قمة الوداعة عند قراءة القرآن المجيد ، شعور رهيب عند ارتياد تأويله ، وعظمة مجللة تباهي بها ملائكة الله تضلل رأس قارئها بركة ورحمة من رب جليل .
لأن التقية غير نقية ، قد تلوثت وتحتاج إلى استغفار عميق ، تحتاج إلى غذاء الذكر والخضوع والى حروف الوجد الناضجة الممزوجة بالصراحة والجرأة
في حضرة البيت العتيق.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من قال في كل يوم من شعبان سبعين مرة:
(أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الحي القيوم وأتوب إليه ) كتب في الافق المبين قال : قلت : وما الافق المبين؟ قال : قاع بين يدي العرش فيه أنهار تطرد فيه من القدحان عدد النجوم ). ٣
لابد من تكامل الصلاة بكل معانيها حتى تكون غسولا بفيض النور لقلب قد غمرته سنون المواجع الكثيرة وبات حجرا تصدأ من جراحات الذنوب. شهر شعبان ، لا نهاية في أجره ، فحسن الظن بالله حلقة وصل بين العبد وخالقه وكفاية ليتكامل عنصره ويشتد عوده ليستقبل الشهر الفضيل وهو في شوق عارم وحب صارم في لقاء الحبيب .
اضافةتعليق
التعليقات