في يوم حار، وبعد أن صـعدت بضـع مئات من الخطوات على سـلم منارة قديمة، اعترتني حالة من التعب والإرهاق، لكنني كنت مستعدة للمغامرة الآتية، حيث راودني شعور بالإثارة؛ لأنني كنت أعلم حقاً أن الأمر يستحق صعود هذه الدرجات للتمتع بالمنظر الجميل من علو.
في باحة موقف السيارات، تناهى إلى سـمعي صـوت صبي في الخامسـة من عمره يبتُ شكواه إلى والديه بآهات متعبة محبطة، وهي طريقة الشكوى التي يعرفها أي أب أو معلم. لم يرد الصبي الذهاب إلى أي منارة أخرى، فقد كان الأمر -من وجهة نظره- يبعث على الملل والكآبة، فلماذا يتحتم عليه الذهاب؟ وحين زاد غضـب الصبي ورفضـه، اقترح عليه والداه الجلوس في السيارة حتى تهدأ نفسـه، ثم يمكنهم متابعة النقاش. عرف الصبي ما يعنيه هذا الاقتراح؛ عرف أنه لن يكون هناك أي نقاش، ولن يؤخذ برأيه في النهاية ، لذا، رد بحدة قائلاً: «إن جلوسـي لا يعني أننا سنغادر!».
إن المشـاعر التي خالجت نفس هذا الصبي شبيهة جداً بمشاعر الأطفال الذين يكافحون لتعلم القراءة أولاً، ثم محاولة فهم النصوص المعقدة؛ إذ يزداد الإحباط والقلق من ارتكاب الأخطاء، ونفاد الصبر شيئا فشيئا كلما حاول المعلمون، وأولياء الأمور إجبار الأطفال على صعود درجات سلم المنارة التي تُمثل «المفردات الإملائية التي يجب معرفتها». يكتسب بعض الأطفال مهارة القراءة بسهولة، ولكـن معظمهم يكابد في جزء من العملية المعقدة التي تبدأ بالمقاطع اللفظية، وتستمر حتى استيعاب النصوص المعقدة، وحين يطلب إلى الطلاب مواجهة صعوبات القراءة المجهدة، فإنهم لا يشعرون بالراحة في القراءة التي تماثل يوما حاراً، وصعود درجات سلم طويلة شاقة.
سيُظهر الطلاب عنادا ورفضا للمهمة المنوطة بهم إذا كان تنفيذها يتطلب مهارات يفتقرون إليها، أو تفتقر إلى التحفيز لدرجة تجعلهم يحجمون عن المثابرة لأجلها، ناهيك عن عدم إدراكهم - بالضرورة- قيمة المكافأة المترتبة على التنفيذ؛ سواء كانت مشاهدة المنظر من أعلى المنارة، أو قراءة كتاب ما. وقد لا يعتقدون أصـلاً وجـود أي هدف يحفزهم إلى القـراءة حين يكون بمقدروهم الاستمتاع بالقصص، وحتى اكتساب المعلومات من مقاطع الفيديو والأفلام وبرامج التلفاز، والاستماع للآخرين وهم يقرؤون لهم.
لا تُعـد القـراءة مرحلة من مراحل تطور الإنسـان الطبيعية، وهي بخلاف اللغة المحكية، لا تأتي من الملاحظة وتقليد الآخرين؛ (جاكوبس، شال، شکیبل 1993 , Jacobs , Schall & Scheibel ) توجـد في الدمـاغ مناطق محددة تُعنى بمعالجة التواصـل الشفهي، ولكن الدماغ لا يحوي أجزاء مخصصة للقراءة. إن عملية القراءة المعقدة تتطلب تظافر مناطق عدة في الدماغ للعمل معا عن طريق شبكات من الخلايا العصبية؛ وهذا يعني احتمال وجود اختلالات عدة في الدماغ يمكن أن تتدخل في عملية القراءة .
اضافةتعليق
التعليقات