عند ملتقى ثقافة العتق من نار الفوضى، واستدراج النعم، يلتقي نهر الصفاء ذهن المتلقي نفحة آيات بصوت الأناقة ومنبر الترتيل.
القرآن، كتاب جمع التقارن والتشابه، والضد والنظير، وتكرار الفكرة وإسهاب الأسلوب، والتشويق والترهيب، ليعطي صورة هي المثلى والأقرب للبصيرة.
قال رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله:
(ألا من تعلم القرآن وعلمه وعمل بما فيه فأنا له سائق إلى الجنة ودليله إلى الجنة).
فلا نقيض بين جملتين في اتساع مفهومها ومنطوقها، وإن صبت في عرض السور الكريمة، كمال صياغتها وجمال بلاغتها، وروعة تشبيهها مع الأخذ بنظر الاعتبار جودة الانتقال ومعبر الدقة عند رديف المعنى فيه.
القرآن الكريم، تحدى جموع الكتب فكان مبعوثا رحمة للناس، يكاد يكون موضوعه قصة ظاهرها سرد رائع وباطنها فرق شاسع من المعنى والعبر، وقد أشار الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة لذلك بقوله الشريف:
(القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق).
أعطي النموذج لنص الحرف، وإشارة الفرض المفروض، اكتملت بين طيات آياته حقائق ومعارف، شملت علوم الأولين والآخرين، وتماثلت للشفاء كل الأمم.. من حبق آياته وعمق درايته بين سطور الحكمة وغاية الخليقة.
القرآن.. أنس حامله
في عظمة القرآن الكريم، بحر من علم، وشمولية المقصد، كأن المواقف فيه شواهد متكررة مع بصمة البقاء بين دفتي الثبات والتنزيل.
حتى انبهر القلم منه، فأصابه غبطة التأويل عند غيبية آياته.. وروعه السر فيه.
فكان أنس لحامله وقارئه، وشرفا لمن اندمجت أحداق خلده في روايته، فكان المعين النابض قابضا على مآثره، شافعا مشفعا يوم لقائه.
اكتملت فيه الصفات، حتى أودع معاقل الخير كله فهو البديل، لكل معضلة ومثال الصحبة وهداية للبشر.. عن الامام علي عليه صلوات الله يقول:
(من أنس بالقرآن لم توحشه مفارقة الإخوان).
القرآن.. دعوة وحوار
في عهدة الصباح، وانفطار طور الفجر، تكلم القرآن برؤاه، واستشفى شفاه مرددا نعمه..
والعجب كل العجب، من انتثار نوره حجرة التأويل والترتيل، دون ما أي رزية أو ذنب تجلو صدور التائبين، فلا قلوب مقلوبة، ولا أصوات تهذوا هذاء الشعر بتجويده فيجود العتق حرية لقارئيه من ناره عند مطب آية عجائبه.
يقول الرسول الأعظم قوله البليغ: (أنت تقرأ القرآن مانهاك، فإذا لم ينهك فلست تقرؤه)..
دعوة صريحة وتحذير كغيداء الحرير لمن تتبع فصوله، وتمعن في تدبره، وارتوى عمقا من نصائحه كانت المقياس لوعي آياته فكرا جليا.
وكما صرح أمير البلغاء: (ألا لاخير في قراءة ليس فيها تدبر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه).
غربة القرآن
انطلاقا من إيهاب الحديث، إشراقات واضحة ومبينة عن نص النبوة في غربة القرآن في هذه الدنيا..
فكان الظلم له نصيب، والهجر لحقه شهيد، وانسان سوء عتيد، وصلاة لا زكاة لها في التمهيد.. فربما ألف حلقة من ترتيل إلا أن الحرز له مفضوض الأثر، وعبقه مبتور الثواب، وقد لخص النبي الأكرم شأن الغربة فيه بحديثه الشريف، قال:
(الغرباء في الدنيا أربعة؛ قرآن في جوف ظالم، ومسجد في نادي قوم لا يصلى فيه، ومصحف في بيت لا يقرأ فيه، ورجل صالح مع قوم سوء).
القرآن وأهل البيت
إن تأويل الآيات، وموضع انتسابه شرف العصمة وأهل بيت قد طهرهم الله تطهيرا، لهو أعظم التنزيل حتى جعل الله سبحانه ولايتهم قطب القرآن وقطب أحكامه، وتهذيبه وكتبه وألواح أقلامه من الأولين والآخرين، فتجملت كل الآيات فيه تأويلا خاصا وموقف يعتد بهم، وسماحة حروفهم تتعقب كل آية فيه، حتى باتت عظمته تحمل اسمهم عند سجدة النبوة فرضا لاتمامها وثوب ارادتها واكتمال رسالتها.
عن الإمام الصادق عليه صلوات الله يقول:
(إن الله جعل ولايتنا اهل البيت قطب القرآن وقطب جميع الكتب، عليها يستدير محكم القرآن، وبها يوهب الكتب، ويستبين الايمان).
إذن لابد من الانصات والاذعان لتتم الرحمة، وتختم بالصدق، فلا أجر فيه إلا بالإستماع، وترك ما لايعقل في ألزام اتباعه حرفا ونصا، ودون الجهر بالرأي في غير موضعه.
وخير الختام كلام الإمام علي سيد الأنام، عليه السلام:
( الله الله في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به غيركم).
اضافةتعليق
التعليقات