يعتقد البعض أن صناعة الأمة قائمة على أفراد محدودين فقط يتمثلون بالسلطة، إلاّ أنها في الحقيقية تحتاج إلى مجموعات بشرية كثيرة ذوات قدرات وإمكانيات عالية تتمكن من رفع واقع المجتمع حتى تكون في حركة مستمرة من أجل التطور والتألق.
وإن الأمم بحد ذاتها تحتاج إلى خبرات متعددة ومختلفة، وعلى أساس هذا الإختلاف فإن لكل علم أو فن أهمية بالغة جدا في الهيكل التطوري للمجتمعات في العالم، فالطبيب والمهندس والموظف والفنان.. الخ لكل واحد منهم أهمية بالغة وغير قابلة للاستغناء في منظومة الأمة التي تهدف إلى التطور.
ولكن تبقى الشهادة الاكاديمية غير كافية للتطور الذي يطمح له الانسان فبالإضافة إلى هذه الشخصيات التي لا ننكر بأنها تساهم مساهمة كبيرة في بناء وتطور المجتمع إلاّ أننا نحتاج إلى أفراد ذوي إمكانيات أعلى على الصعيد العلمي والمعرفي، واستقطابهم في الحركات المهمة سواء في الجانب السياسي أو العسكري أو العلمي، فالقيادة مثلا تلعب دورا كبيرا في بناء المجتمع أو خرابه، وتبعا لذلك فإنها تحتاج إلى شخصية استثنائية تتمكن من إدارة وتوجيه المجتمع نحو الصواب دائما، وعلى أساسه يجب أن يوضع الشخص الصحيح في المكان الصحيح لضمان السلام الفكري والمصلحة العامة في المجتمع.
وإن عملية صناعة الأساطين تحتاج إلى كادر نموذجي يعمل على هذا الشيء، وهذا الأمر الذي سجله التاريخ لنا في النظام الإسلامي منذ بدايته، فقد ركز الرسول الأعظم محمد (صلوات الله عليه وسلم) على بناء الأساطين والشخصيات الفذة للمجتمع، "إذ إن هنالك الكثير من الصحابة كانوا نتاج حاصل وسعي وجهاد مدة ثلاث عشرة سنة صعبة في المكة.
وكان هناك عدد من الأشخاص الذين اهتدوا قبل هجرة النبي في يثرب بهداية النبي من قبيل سعد بن معاذ وأبي أيوب الانصاري وغيرهما، وبعد أن أتى النبي الأكرم ومنذ لحظة دخوله بدأ بصناعة الإنسان ويوما بعد يوم جاء إلى المدينة قادة مؤهلين وأشخاص كبار وشجعان، رحماء مؤمنون وأقوياء وأصحاب معرفة فكانوا الأساطين القوية لهذا البناء الشامخ والرفيع".
وهنالك بعض النقاط المهمة التي من خلالها يمكننا أن نسلط الضوء على الطرق التي تساهم في صناعة الأساطين أو الأنموذج الإسلامي الفذ:
- فتح الآفاق وإستخدام الأساليب الحديثة في التربية من قبل العائلة لإكتساب الطفل مهارة جديدة أو اكتشاف موهبته، والسعي الدائم لتعزيزها من خلال المتابعة والتشجيع.
- من المهم جدا أن تبدأ عملية صنع الإنسان منذ الصغر، وهنا تلعب المدرسة دورها الأكبر من خلال اكتشاف الطاقات المخبوءة في كل طفل وادراج هواياته وامكانيته في ملف يرافقه من المرحلة الابتدائية إلى ما بعد الجامعة.
- تطوير الإمكانيات والمواهب وصقلها من خلال الحصص الثانوية أو المعارض والدورات التي تقام في المدرسة من حين لأخرى.
- التواصل المستمر بين العائلة والكادر التعليمي في المدرسة من أجل تعزيز مهارات الطلبة وتطويرها بشكل مستمر وسليم.
- المشاركة في الندوات والدورات والورشات التي ترفع من المستوى الثقافي للفرد والسعي الدائم في التواجد والاختلاط مع نخبة المجتمع لأن الصحبة المثقفة والمتعلمة تنفع الأنسان وترفع من مستوى تفكيره.
- مراجعة سير الصحابة وكيفية تحولهم من شخصيات اعتيادية إلى شخصيات بارزة في المجتمع الإسلامي.
- تعزيز قدرة التحمل والصبر عند الصعاب لأنهما عاملان أساسيان لتقويم شخصية الإنسان وتطويرها.
- تأسي الكوادر العاملة بالرسول الأكرم كمعلم وموجه إستطاع أن ينقذ الإنسانية من الضلال إلى النور من خلال التعاليم الإسلامية الرشيدة.
- تفعيل المنابر والمنصات لتبيان النقاط المهمة التي تعمل على صناعة الإنسان الصالح في المجتمع.
- "ترسيخ القيم النظرية على أرض الواقع لصناعة جيل مسلم واعٍ ومدرك لمسؤولياته الكبيرة في الحفاظ على وحدة المجتمع وإستقامة أفراده وتقويم الاعوجاج فيه بالحكمة والموعظة الحسنة.".
فالعالم الآن بحاجة ماسة إلى أساطين وشخصيات فذة تحمل في كينونتها صفات ثقافية وأخلاقية وعلمية وتربوية عالية، فالهدف الأساس والهام الذي عمل لأجله الرسول (صل الله عليه وآله وسلم)، هو إيجاد الانسان الصالح، أو تحويل الطالح إلى الصالح وتطويره وتعليمه وتكاثره من أجل الحفاظ على قوام الأمة الإسلامية وتعزيز قوتها إذ قال الله تعالى في محكم كتابه: "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ" (سورة الجمعة، الاية٢).
اضافةتعليق
التعليقات