عانت النساء في حقب تاريخية مختلفة من الظلم والاضطهاد، وقد عوملت بدونيّة وصُبّت عليها كل اشكال التعذيب اللانساني، وإن المرأة السومرية على سبيل المثال عانت من ناحية المعاملة الفظة والغليظة، وكان التعامل معها على أساس انها تابعة للرجل في كل شيء، وما خلقت إلا لأسعاده.
والمرأة في بلاد الروم، فهي الأخرى لم تكن بأفضل حال، وإذا أخذنا بنظر الإعتبار أن الروم، من أقدم الأمم وضعا للقوانين المدنية، نلاحظ أنها وضعت بعض القوانين التي تخص البيت والأسرة. وجعلت لرب البيت _الزوج أو الأب_ نوع ربوبية وسلطة شبه مطلقة على ذويه، فقد كان يعبده أهل بيته، وله الاختيار التام والمشيئة النافذة في جميع أمور العائلة من زوجة وأولاد حتى القتل لو رأي أن الصلاح فيه، ولا يعارضه في ذلك معارض.
وكانت تعتبر النساء أدنى مرتبة من كل الرجال في العائلة حتى من الأبناء التابعين، فلا تسمع لهن الشكوى، بل هي تبع، والقرابة الرسمية المعتبرة في التوارث ونحوه المختصة بما بين الرجال من علاقة، وأما النساء فلا. وكان بيد الرجل زمام حياتها يفعل بها مايشاء، فربما باعها أو وهبها، أو ربما أقرضها للتمتع، وربما أعطاها في سداد دين عليه أو خراج ونحوهما، وربما ساسها بقتل أو ضرب أو غيرهما. ومما يدل امتهان كرامة المرأة ما ظهر بشكل واضح في مجتمع الروم من مظاهر الفسق والفجور، وجعل المرأة ألعوبة بيد الرجل يقضي منها حاجته، وكثرت الدعارة والفحشاء، وزينت البيوت بصور ورسوم كلها دعوة سافرة إلى الفجور، وأصبحت المسارح مظاهر للخلاعة والتبرج الممقوت.
والمرأة اليونانية، أيضا وضعها كان قريباً من وضع المرأة عند الروم، أما المرأة الصينية، فأعتبرها القانون الصيني تابعة للرجل، وتنقذ أوامرها وتقضي حاجته، ولا ميراث لها. والمرأة كانت لا تشارك زوجها ولا أبناءها الغذاء، بل عليها أن تجلس جانباً لوحدها، كما يحق لمجموعة من الرجال أن يتزوجوا امرأة واحدة يشتركون في التمتع بها والاستفادة من أعمالها.
وكان قدماء المصريين يعاملون المرأة معاملة حقيرة شأنها شأن الخدم، وللرجل أن يتزوج بأخته، ولايدعوها تخرج من البيت إلا لعبادة الآلهة، بل إنهم كانوا يقدمون أجمل فتاة عندهم قربان وترضية وسكناً لغضب النيل وفيضانه بعدما يزينوها بأبهى حلة لكي يرضى بها، فيلقونها في نهر النيل في مراسم خاصة لئلا يفيض عليهم.
ولم تكن المرأة الفارسية أوفر حظاً من صويحباتها الهنديات والمصريات، فالمجتمع الفارسي القديم كان ينظر إلى المرأة نظرة احتقار وازدراء، وهو يعاقبها أشد المعاقبة وأقساها لأي إساءة أو تقصير في حق زوجها.
أما المرأة الهندية، فبالرغم من أن بلاد الهند آنذاك كانت تعتبر ذات حضارة نسبية تتصف بالعلم والتمدن والثقافة، إلا انهم كانوا يعاملون المرأة معاملة قاسية لا رحمة فيها. فالمرأة عندهم مملوكة للرجل في العائلة كالأب أو الزوج أو ولدها الكبير، محرومة من التملك حتى بالإرث، وعليها أن ترضى بأي رجل يقبل به أبوها أو أخوها، وهي مجبرة على العيش معه إلى آخر حياته، وليس لها حق المطالبة بالطلاق لأي سبب من الأسباب، وفي أيام حيضها عليها أن تنفرد بمأكلها ومشربها، لأنها نجسة خبيثة بإعتقادهم.
والأدهى من ذلك كله أنها كانت تحرق مع زوجها إذا مات، فإذا مات الرجل منهم يحرقونه بالنار، ويأتون بزوجته المسكينة ويلبسونها أفخر ثيابها وحليها ويلقونها على جثة زوجها المحترقة لتأكلها النيران معه، والمرأة عندهم مصدر الشر والإثم والإنحطاط الروحي والخلقي. وفي بعض التقارير: إن نظام (ساتي) في الهند كان يحتم على المرأة التي يتوفى عنها زوجها أن تلحق به من خلال حرق نفسها لتكون قريبة منه بحياته ومماته.
وكلمة (ساتي) تعني المرأة الطاهرة أو المقدسة التي تحرق نفسها لأجل زوجها، أو وفقاً لفلسفة طبقة الراجبوت فإن ساتي تعني المرأة الصالحة التي أصبحت قادرة على تقديم نفسها كهبة حيث كان يعتقد أنه بفعلها هذا ستخلص نفسها وأفراد أسرتها وذويها من هم العبث من جديد أو التجسيد وهو (تحول الروح الميت إلى الحيوان أو طائر) حسب المعتقد الهندوسي!.
وكانت النساء في تلك الحقبة التاريخية يؤدين هذه العادة بإختيار أو بإكراه تعبيراً عن الإخلاص والتودد لأزواجهن وللحفاظ على شرفهن من أن يدنس. تذكر كتب الفيشنو الهندوسية المقدسة أن عادة الساتي كانت تمارس ما بين القرن والثاني للميلاد.
وعلى الرغم من استنكار جميع الأوساط لهذا النظام غير الإنساني فإن قصص المهابراتا تروي أن امرأة تدعى المادري أحرقت نفسها في موكب إحراق زوجها وذلك في القرن السادس للميلاد. وكان نظام الساتي يمارس في ولايات الهند الشمالية والجنوبية إضافة إلى أنه كان يمارس حتى في عهد المغول وإبان أيام حكم الاسكندر الأكبر الذي بذل جهودا كبيرة للقضاء على هذه العادات إلا أن جميع الجهود ذهبت أدراج الرياح أمام التعصب القبلي الأعمى لهذا النظام الذي كان مترسخا لا سيما في أذهان النساء.
وطريقة ممارسة هذا النظام كانت تتم عند موت الزوج حيث تؤخذ جثته الى المحرقة وتؤمر زوجته فتتزين بأحسن ما عندها من ثياب وتتعطر بأحسن عطر ثم تتبع الجنازة برفقة ذويها وأهلها إلى أن تصل إلى المحرقة. وكانت المحرقة تشعل عند قدومهم ثم تؤمر الزوجة فتجلس عند جنازة الزوج المتوفي ثم تبدأ بالنواح على رحيله عنها حتى تصل إلى درجة تفقد صوابها وبعدها يقوم عدد من الرجال بربطها فوق جثة زوجها ويصبون فوقهما سائلاً سريع الإشتعال ثم تضرم فيهما النار حتى تصبح جثتهما رمادا.
ولم يستثن من هذه العادة الظالمة تلك الفتيات الصغيرات اللائي تزوجن في سن مبكرة جدا وأغلبهن في العاشرة من أعمارهن فكان عليهن إحراق أنفسهن بحجة المحافظة على شرفهن من أن لا يدنسه أحد بعد أزواجهن وحسب التقاليد والأعراف الهندوسية فإن الأرامل لا يحق لهن الزواج مرة أخرى إذا توفي عنهن أزواجهن.
أما اللائي كن يمتنعن عن القيام بهذا العرف فكان جزاؤهن أن يقذفن بالقوة داخل النار، وإن حاولن الهرب كن يحضرن مرة أخرى ويرمين في النار لأنهن حسب زعمهم يردن تدنيس شرفهن وشرف القبيلة ثم يصب فوقهن حديد مصهور ليمتن طاهرات غير مدنسات!
أما حالة المرأة عند العرب الجاهليين الذين كانوا قاطنين في شبه الجزيرة، فإنها إن لم تكن أسوأ من غيرها في الأمم الأخرى ولم تكن بأفضل، إذ كانوا لا يرون للمرأة استقلالاً في الحياة ولا حرمة ولا شرافة، وكانت النساء لا تورث، وكانت تلك القبائل من العرب يئدون البنات، حيث ابتدأ في ذلك بنو تميم لواقعة كانت لهم مع النعمان بن المنذر أسرت فيها عدة من بناتهم فأغضبهم ذلك فابتدروا بالوأد قضاءً على المرأة، ثم سرت العادة في غيرهم من القبائل.
وكان العرب تتشاءم إذا ولدت لأي أحد منهم بنت، فإن الرجل منهم يعتبرها عارا على نفسه، كما جاء في قوله تبارك تعالى وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ1.
أما الإسلام فإنه أبدع في حق المرأة أمراً ماكانت تعرفه الدنيا منذ عصور طويلة، فإنه خالف تلك العادات الظالمة بأجمعها حيث بين أن المرأة كالرجل في الإنسانية يتساويان، وكل إنسان ذكرا كان أم انثى فانه يشترك في حقيقة واحدة، وهي أنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، وبهذا صدح القران الكريم حينما قال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ 2.
ولا اشكال ولا ريب أن الإسلام له الفضل في التقدم الباهر الذي رافق المرأة في إطلاقها من قيد الأسر والعبودية، فأعطاها الاستقلال في الإرادة والعمل مع الحفاظ على شخصيتها وكرامتها، وأن أمم الغرب فيما صنعوا من أمرها جمعوا بين الخير والشر لها، أما الخير فقلدوا فيه الإسلام وإن أساءوا التقليد والمحاكاة.
اضافةتعليق
التعليقات