أنت جالس في الغرفة مساءً، اطفئ المصباح وأغلق الباب واجعل الهاتف بعيدا عنك، لاشك إنك سوف تقع في هواجس الخوف وتبدأ تشعر بالرعب كلما ازداد الوقت معك في هذه الظلمة، ولا تستطيع أن ترى أي شيء، حتى أنت لا تستطيع أن ترى نفسك! يا ترى ما الحل في هذه الحالة، الحل سهل وقريب، أوقد الشمعة أو المصباح، وينتهي كل الظلام والخوف والرعب..
لا يوجد شخص في هذه الحياة ليس له مشاكل، لكن هناك تباين في المشاكل التي يبتلى بها الناس، وجميع هذه المشاكل حلها الوحيد المصباح أو الشمعة.. لا أقصد بأن تأخذ شمعة أو مصباح وتوقده على حبيبتك التي تركتك من دون سبب، ما أن ترى نور المصباح تعود لك، هذا جنون!.
أقصد بالمصباح "قلبك"، القلب في هذا القرن مظلوم جدا ولا أحد يهتم به، بالرغم من شهرته العظيمة في الكيبورد والقصائد والصور والأفلام ولا يمر عليك يوم إلا ورأيت رسمه أو اسمه!.
القلب عضو في داخل الجسد شفاف ورقيق جدا يضخ الدم إلى جميع الأعضاء، لكن نسبة الشفافية فيه تختلف بين الناس وحتى بين الأطفال، ربما يقول أحدهم ولماذا الأطفال تختلف الشفافية عندهم، الجميع ورقة بيضاء! نعم الجميع ورقة بيضاء لكن هذه الورقة عندما تكتب عليها بقصد أو بدون قصد سوف تكون سوداء، مثلا طفلك الصغير نائم وأنت بقربه تسمع الغناء قلب ابنك سوف تحجب عنه الشفافية بنسبة 1% بسبب الغناء وإن يكن من دون قصد..
أنت تقود سيارتك وهناك شخص يضخ الماء ومن دون قصد وقع الماء على مرآة السيارة، هل المرآة ستبقى كما هي؟ بالطبع لا سوف تتغير وتفقد بعض خواصها، يا ترى ازالة الماء من المرآة صعب أم سهل؟ الذي يحدد الأمر هو نوع الماء والكمية المتساقطة، كلما كان الماء نظيفا والكمية قليلة كانت عملية التنظيف سهلة، كذلك القلب هو تماما كالمرآة أي منكر يقع عليه سوف يتلوث إن كان المنكر عن قصد أو من دون قصد، تماما كالذي يطلب الماء ويعطونه كأسا من الخمر ويشربه! في الحكم الشرعي لا إثم عليه لأنه لا يعلم، لكنه لا شك سوف يفقد وعيه ويسكر ولو لبضع دقائق!.
فالمنكر هو الذي يحجب النور من قلبك، ويجعلك تفقد فطرتك التي فطرك الله عليها، تكون قاسيا، في قلق دائم، وتوتر، وحزن، واختناق، وتشعر أنك في ظلمة شديدة وأمامك الشمس!، وعدم اللذة في العبادة! عندما تقرأ القرآن لا يخشع قلبك! يا الله ما الذي فعلته حتى قلبي لا يخشع عند سماع آياتك والجبل يخشع ويتصدع منها! ماذا فعلت حتى أصبح قلبك كالحجارة بل أشد قساوة! تستغفر ولا شيء يتغير في حياتك! هل تعرف لماذا؛ لأن مرآة قلبك وقع عليها سواد لا يمكن ازالته بماء الاستغفار فقط، تحتاج أدوات التنظيف، هذه الأدوات:
1_ النية الخالصة لله: اجعل النية لله تعالى عبادة وعادة في حياتك، كل عمل تقوم به قل "لأجلك يارب" تنام، تأكل، تمارس الرياضة، تطبخ، تذهب للسوق، تكون صادق في كلامك، تسيطر على غضبك، تكرم ضيفك، تسلم على جارك وأصدقائك، تنظم وقتك، تطور نفسك في محاضرات التنمية الإسلامية، تنشر منشور مفيد على الفيسبوك أو الواتس.. الخ كل هذه الأعمال وغيرها عندما تفعلها قل "لأجلك يارب" لأن الله تعالى يحب أن يراك وأنت تعيش الحياة من أجله.
2_ عليك أن تعترف بذنبك العظيم وتدرك أنت الآن في ظلمة شديدة ولا يوجد نور إلا الله تعالى فاطلب منه نور التوبة بنية خالصة ليتوب عليك وتتوفق إلى التوبة النصوح، وأنت تستشعر بهذا الظلام الذي حولك ردد: "سبحانك لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" ويفضل أن تكرر القول وأنت ساجد وأن تكثر من قول استغفر الله ربي وأتوب إليه في أي وقت والوقت المميز للأستغفار وقت السحر واملأ خديك بدموع الندم، صدقني سوف يحضنك الله تعالى ويقول لك تعال يا حبيبي.. هو أرحم الرحمين.. حنون جدا أحن من الأم على طفلها..
3 _ تخيل قلبك لطفل صغير لا يعرف شيا وابدأ بتعليمه وليكن مزاجك رائقا وأنت تخطو خطواتك الجديدة، ربما لا يفهم ما تقوله فعليك بالتكرار، علمه أن يقرأ القرآن، علمه أن الشمس والقمر والسماء، وكل شيء عظيم هو من الله، حتى يعبد الله تعالى لأنه يستحق العبادة، علمه قراءة الأدعية لا سيما دعاء مكارم الاخلاق، علمه البكاء على مصيبة الحسين عليه السلام لأن البكاء على الحسين يختصر لك الطريق.. علماء الاخلاق ينصحون أن تعلم قلبك الطفل قراءة الآيات الخمس الأخيرة من سورة الحشر، ويفضل قراءتها في وقت السحر أو قبل طلوع الشمس، واقرأ سورة الشمس على الماء واشربه بنية أن يجعل الله نفسك مطيعة له.
4_ أن تلتزم بالصلاة في أول وقتها، وادرك دائما أن الاذان لك وحدك لا لجميع الناس، اترك كل شيء وأذهب للقاء الله تعالى، واخبر عقلك أن الصلاة تشريف لا تكليف، الله يطلبك خمس مرات باليوم حتى يسمعك.. عليك الحديث وعليه الاستماع والتنفيذ بما هو خير لك، كن على يقين أنه مدير جيد لك فقط توكل عليه.
5_ أن تكثر من الفعل الحسن كالصدقة وقضاء حوائج الناس واصلاح ذات البين وزيارة الأرحام وزيارة المراقد المقدسة والبكاء على مصائب أهل البيت عليهم السلام والفرح في ولادتهم، وتفرح قلوب الأطفال، وتهدي للأموات الفاتحة على أقل تقدير باليوم مرة واحدة.
كلما زاد نفعك لمن حولك زاد نور قلبك. والجدير بالذكر التنظيف لا يأتي بيوم وليلة.. ربما تحتاج أشهر أو سنوات حتى يعود القلب إلى فطرته الأصلية. بعد ذلك التنظيف والطهارة سوف تشعر بأن الدم الذي يضخه القلب إلى الجسد عبارة عن "نور"، عندها سوف تشتاق إلى الصلاة وتأنس بها وتشحنك بالطاقة والأمل والعمل، الله سوف يجعلك تعيش حياة طيبة حياة تختلف عن حياتك السابقة، يفتح لك الآفاق سوف ترى بعينك النور وتسمع بأذنك قول النور وتفقه بقلبك النور..
وهنيئا لمن وصل قلبه إلى محبة الله تعالى كما يقول سيد الساجدين عليه السلام: {إلهِي مَنْ ذَا الَّذِي ذَاقَ حَلاوَةَ مَحَبَّتِكَ، فَرامَ مِنْكَ بَدَلاً؟ وَمَنْ ذَا الَّذِي أَنِسَ بِقُرْبِكَ، فَابْتَغَى عَنْكَ حِوَلاً؟}.
اضافةتعليق
التعليقات