تدل النصوص الكثيرة على أن الشعائر الحسينية وتعظيمها من القيم اﻹلهية العظمى في هذا الوجود، شاء الله سبحانه لها أن تقام و تعظم فتكون وسيلة إلى هداية الناس و إصلاح أمرهم في دنياهم و أخراهم، والذي يتتبع اﻷخبار المعتبرة يجد أن هناك جملة من المواهب والخصوصيات المعنوية العظيمة اختص الله سبحانه بها اﻹمام الحسين عليه السلام، لم ينل شرفها أحد غيره، وقد لازمت هذه الخصوصيات وجود اﻹمام الحسين عليه السلام المبارك والشعائر المتعلقة به منذ أول الخلق إلى يوم المحشر، منها خصوصياته في أول الخلق؛ إذ يستفاد من الروايات النبوية أنه أول المخلوقات وجودا، ومنه اشتق وجود سائر المخلوقات؛ إذ تواتر في روايات الفريقين أن أول ما خلق الله سبحانه نور النبي (ص)، وتضافر النقل عن النبي (ص) انه قال: "حسين مني و أنا من حسين"،... وعلى هذا اﻷساس بكاه جميع الخلق، و ناحت عليه الكائنات قبل وجوده على الأرض كما ورد في الزيارة الشعبانية المباركة المروية عن قائم آل محمد عجل الله تعالى فرجه الشريف "بكته السماء ومن فيها و اﻷرض ومن عليها ولما يطأ لابتيها" ولابتيها مثنى، وله معنيان: هما اﻷرض ذات الحجارة السوداء، ولوي الشيء وضرب خواصره بالعصا.
والمقصود ظاهر، و وجه الجمع بين المعنيين أن وطي اﻷرض يتحقق بالمشي عليها والضرب على ظهرها طلبا للرزق ونحوه.
وربما وردت بصيغة المثنى للاشارة إلى أنه يطوي اﻷرض ببرها وبحرها، أو سهلها وجبلها، أو يعيش عليها بيسرها وعسرها.
وقد جمع العلامة التستري جملة من خصائصه اﻹلهية بما يبهر العقول، ويأخذ بمجامع القلوب في ولادته وشهادته ومرقده و أعضاء جسده المبارك، وكل ما يتعلق به من مراسم وشعائر، وقد جمع التعبير عن ذلك بعض اﻷعاظم استشهادا بما ورد (فوضع الله يده على رأس الحسين عليه السلام) قال: وحيث إنه كناية عن نهاية نظر الرحمة إليه فقد ظهر هذا في شيئين كما في الروايات الصحيحة.
اﻷول: ما ناله هو بنفسه.
الثاني: ما يناله الناس به.
أما اﻷول فإنه مرتبة خاصة من القرب لا نقدر على تقريرها، بل ولا على تصورها، ومن فروعها جعل اﻹمامة في ذريته.
وأما الثاني فأمور كثيرة منها: جعل الشفاء في تربته، واﻹجابة تحت قبته، وعمدتها وأعظمها وأجلها أنه قد خصه بصيرورته سببا عاما لرحمته على عباده، وقد خلقهم لها فجعلها بذلك عمدة التسبب، وحيث كان نبيه رحمة للعالمين جعل الحسين من النبي وجعل النبي منه، ولذا قال: "حسين مني وأنا من حسين" فهو محل وضع يد الرحمة، وغذته يد الرحمة، و ربي في حجر الرحمة، ورضع من لسان الرحمة.
و تتجلى مظاهر الرحمة الحسينية على العباد في كل جوانب حياتهم الدينية والدنيوية؛ إذ يستفاد من اﻷخبار المعتبرة أن المحبين للحسين والراحمين لحالاته والمواسين له بدموعهم و دمائهم ينالون به مقامات عالية من العبادة والعبودية في طول أعمارهم.
و تؤكد هذه الحقيقة الشواهد التالية:
اﻷول: أن زائر اﻷمام الحسين عليه السلام يكون من عباده المكرمين وهم الملائكة، وقد ورد هذا في العديد من اﻷخبار التي تنص على أن من زاره تصلي عليه الملائكة، وتسبح وتقدس وتستغفر له إلى يوم القيامة، بل وتنوب عنه في زيارته إلى يوم القيامة.
الثاني: أن زائره يرتقي إلى مراتب مرافقة النبي و اﻷوصياء عليهم السلام واﻷكل معهم وعلى موائدهم ومصافحتهم ومحادثتهم.
الثالث: أن زائره ينال ثواب العبادات كلها، بل يعطى ثواب عبادة العمر كله، بل الدهر كله، وفي بعض المواقف ينال ثواب سقي عسكر الحسين عليه السلام يوم عاشوراء، وذلك لمن سقى الماء في عاشوراء عند قبره.
الرابع: أن زائره والباكي عليه تغفر جميع ذنوبه الماضية، بل قد يحصل على غفران الذنوب المستقبلية -إذا توفرت الشروط -.
الخامس: أن زائره و من يتمنى أن يكون شهيدا مع الحسين (عليه السلام ) و يقول: ( يا ليتني كنت معكم ) ينال ثواب من استشهد معه.
السادس: أن زائره يضمن دعاء أولياء الله و خيرة خلقه و عباده؛ إذ يدعو له رسول الله (ص) و علي وفاطمة و الحسن و الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين، وتدعو له الملائكة.
و في رواية أخرى أن زائره ليخرج من رحله فما يقع فيؤه على شيء إلا دعا له، بل إن الإمام (عليه السلام ) يسأل جده و أباه أن يدعوا لزائره و الباكي عليه، وقد دعا الصادق (عليه السلام) في سجوده لمن قلب خده على قبر الحسين (عليه السلام)، و لمن جرى دمعه عليه، و لمن صرخ لأجله.
السابع: أن زائره والباكي عليه ينال مقام الناصر لله سبحانه ولرسوله والصديقة الطاهرة ولسائر اﻷئمة الطاهرين عليهم السلام، وهذا مقام واجب على كل مؤمن؛ إذ قال سبحانه: "كونوا أنصار الله".
ومن الواضح أن نصرته عليه السلام لها مظاهر ومصاديق وتجليات كثيرة، فزيارته نصرة له، والبكاء عليه نصرة له، و إقامة عزائه نصرة له، وتمني نصرته نصرة له، والسجود على تربته والتسبيح بسبحة تربته نصرة له، وتسمية الولد باسمه ونظم الشعر في حقه وتأليف الكتاب وتسمية المدرسة والتربية والتعليم على نهجه هذه كلها نصرة له، فإذا استجمع العامل بذلك شروط النصرة يكون ناصرا لله ونصيرا له.
و نلاحظ أن ما يناله المؤمن من الفضائل والمقامات العالية في العبادة والعبودية في نصرة اﻹمام الحسين عليه السلام ومواساته وتعظيم شعائره ما يعجز عن أن يناله ولو عاش آلاف السنوات، و وظف وقته وجهده وكل طاقاته ﻷجله، إلا أنه ينال ذلك باليسير من العمل ببركة اﻹمام الحسين عليه السلام، وهذا لطف خاص أعطاه الله له عليه السلام، وهو مظهر من مظاهر الرحمة اﻹلهية في اﻹمام الحسين عليه السلام.
اضافةتعليق
التعليقات