يخفق الكثير من الناس في استنتاج حدث معين على الرغم من وجود الأدلة الكافية لديهم، بينما هنالك من يلتقط خيط الحقيقة من إشارات خفية تطرق دواخل وجدانه فيصل بها إلى الحقيقية البحتة.
هنا تلعب البصيرة دورها الكبير في استشعار الانسان الحق بينما يبقى فاقدها ضالا غير قادر على التماسها، ليبقى الايمان هي بوصلة الانسان المؤمن التي تقوده من خلال البصيرة إلى درب الحق.
ويشير الدكتور ميثم السلمان في كتابه التفكير إلى عاملين مهمين يلعبان دورهما في توسيع دائرة البصيرة عند الانسان:
الأول: العقل الكبير يتطلب قلبا كبيرا وأصحاب القلوب الصغيرة يفشلون في وعي الحقائق الكبيرة، ذلك أن القلب إذا اتسع تسامى فوق الحقائق، فبصر بها من المواقع العالية.
إنه قلب طموح متطلع همام، ذو أجنحة واسعة، ترفرف هنا وهناك، يستشرف كل سهل وجبان، ويتسع لاستيعاب الحقائق جميعا، لا ينكر بعضها، ولا يرى تناقضا بينها، لا يصطدم إذا سمع منها ما كان يجهله، ولا يشبع من كثرتها، ولا يسأم من تنوعها، يقرب البعيد منها بنفاذ البصيرة، ويطلع من فوق حاجز الزمن، فالماضي عبرة، والمستقبل هدف، والحاضر وسيلة.
وشوق الانسان إلى العلم أشد من شوقه إلى أية حاجة أخرى، ولكن أكثر الناس يدسون هذا الشوق الملتهب في ركام اليأس والإحباط، وانما أولو الألباب، ذو القلوب الكبيرة هم وحدهم الواثقون من قدرتهم على انتقاص طير المعرفة، ولو تحلق فوق القمم الشامخة.
كلا، لا تكفي الحاجة سببا للاختراع كما قالوا (الحاجة أم الاختراع) فان للاختراع غاية أكرم من الحاجة، وهو التطلع والتحدي، وإلاّ فان الأغنام أقدر على اختراع الدروع أمام شراسة الانسان، وكما المخترعات الهامة، كذلك الاكتشاف والابداع لن يتم دون الثقة والتحدي.
الثاني: أصحاب القلوب الكبيرة والأهداف البعيدة والبصائر المتحررة، إنهم يبلغون الحقائق الكبيرة التي هي بمثابة أشجار باسقة تتفرع منها سائر المعارف إنهم يصلون إلى أصول العلم والقواعد العامة فيه، والتي يسميها البعض بالحكمة العالية، والتي تهتم بها الفلسفة.
أما حسب الكتاب والسنة: فهي السنن الإلهية في الخليقة وكذلك يسهل عليهم ربط الحقائق ببعضها في دائرة تلك السنن، كما يسهل عليهم انتزاع حكم الفروع من الأصول لوعيهم الشديد بها وبأبعادها.
وهكذا كانت الهمة العالية شرفا عظيما لأنها تفرز سائر أسباب الشرف، ومن أبرزها العلم.
ومع كل هذا فأن من الممكن جدا أن تولد البصيرة في فطرة الانسان النقية ولكن تبقى هذه البذرة تحتاج إلى النمو حتى تزهر وتنتج، ويتم ذلك من خلال السقي المستمر بالدين والعلم وتقوية الأواصر الايمانية مع الله عز وجل، ليبقى للعقل والقلب دورهما في إدراك المسؤولية الحقيقية للإنسان وتشخيص المصلحة العامة التي تنبع من إخلاصه التام للإسلام وخوفه عليه على التلاعب بمفاهيمه فمن كان همه الدين فمن المؤكد أن يمنح على أساسه واساس نيته الخالصة البصيرة، إذ يقول الله عز وجل في محكم كتابه: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ".
اضافةتعليق
التعليقات