قد أقبل إلينا شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وهو ربيع القرآن، وللعمل فيه أجر مضاعف عن بقية الشهور، ولعلنا إذا تتبعنا العطايا المعنوية في هذا الشهر لوجدنا أبواب الجنان مفتوحة والشياطين مغلولة والملائكة مستبشرة مسرورة .
إن هذا الشهر هو شهر التربية التي يوجهنا فيه رب الأرباب إلى طاعته، وحسن الخلق فيه والإلتزام فهو شهر الصيام والقيام، وقراءة القرآن والتصدق بالمال.. وهو شهر ولد فيه الإمام الحسن (عليه السلام)، وكل فعل حسن إنما هو من صميم اسمه وحسن فعله.. وفيه ليلة خير الليالي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، والذي يحييها له من الثواب الجزيل، ما وضحته الروايات المأثورة عن النبي وأهل بيته الأطهار.
وفيه كذلك عروج الإمام علي إلى الملأ الأعلى، حيث استقبلته الملائكة شهيدا في محرابه، والذي تأكد لنا في هذا المصاب الجلل وما فيه من العبرة والعبرة، إنّ سلامة الدين هي خير من التشحط بالدم أثناء القتال مع العدو .
إن الفوز الحقيقي يكون بالالتزام بالصلاة والعبادة والإقتداء بسيرة المصطفى ومجاهدة النفس والشيطان .
وفي الحديث أيضا "مداد العلماء خير من دماء الشهداء"، والإمام علي (عليه السلام) هو حجة على الأئمة في عبادته، وفي العلم والطاعة لله، والشجاعة في الدفاع عن حق الله في خلقه .
وكأنما هو شهر العروج المعنوي للإنسان المسلم، يتدارك مافيه من الشهور السابقة من الأجر والثواب، وفيه حركة الروح مع العوالم الأخرى في مسيرة التكامل والتجانس والتشبه في العبادة والطاعة .
وكوننا في بقعة من بقاع الجنة، وروضة من رياضها في مدينة الحسين (عليه السلام).. الذي استشهد فيها مظلوما عطشانا مهموما حزينا، يضيف إلينا من الأجواء القدسية ما نرجو إن يعلمنا فيها الكرامة والقول بالحق وإن عز النصير وقل الصحاب وتوالت الأحزان ففي نهاية المطاف يخلد صاحب الموقف الشجاع، ويبقى ذكره مدى الأجيال، وبما أن الإمام سبط الرسول وقرة عين البتول وابن الإمام علي فإن روحه الشريفة وموقفه الحق، يتجه بالجاذبية والتشبه به والاشتياق لمعينه، فهو حي ليكون بمصاف علي ومصاف الرسول (عليهما السلام).
لقد دعينا في هذا الشهر الفضيل إلى هذه الموائد الروحية، للتزود فيها للأيام والشهور القادمة، من أجل التطهر والارتقاء في مسيرتنا الجهادية ضد الشيطان وأتباعه.. ومسار الانحراف في الأمة لنكون على هدى من أمرنا في طاعة الله ومراقبته.
ونحن من شعب بذل الغالي والنفيس في سبيل اعلاء كلمة الله، وبذل دماء شهداء كانوا من خيرة الناس وأطيبهم منبتا وأحسنهم أخلاقا، حري بهذا الشعب أن يكون في ركب الأوائل في كل شيىء، حسن عند الآخرين ليكون خير أمة أخرجت للناس .
فبذل الدماء على سيرة الإمام الحسين (عليه السلام)، أو جهاد النفس على سيرة الإمام علي (عليه السلام)، والصدح بالحق على سيرة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، أو الإقتداء بالرسول الكريم في تربيته للأمة وشكره لمولاه في نعمه وإرساء قواعد الإسلام في نهجه، كفيل كل هذا وغيره أن يبعث في روح كل منا شعلة وهاجة تنير له حياته بأضواء من الطمأنينة على إنه على الصراط المستقيم.
ولعل الإنسان تلقى إليه الهبات كما هي في شهر رمضان.. ويوم القيامة سينال مراده بإذن الله، فهو ممن زحزح عن النار، وأدرك المنال وحقق الآمال عندما لجأ إلى الله سبحانه في هذا الشهر المبارك، ودعا الله وأخلص في الابتهال والامتثال لأوامره ونهيه، والتشبه بسيرة أوليائه في سلوكه وفعله.
اضافةتعليق
التعليقات