كان الجد يرفع عينيه إلى السماء، وقلبه ينبض بأمل لا ينتهي، ينتظر قمر ليلة النصف من شعبان وهو يسعى بكل جوارحه لاحتضان تلك اللحظة المباركة التي تلامس أرواح المؤمنين، ومع ارتفاع أصوات التهليل والفرح بولادة سيد الكون والمخلص المنتظر، جاءه حفيده مسرعاً والهواء حولهم محمل بالأحلام والأماني، اقترب منه وعيناه مليئة بالفضول، وسأله بصوتٍ ناعم: "جدي، هل هو صحيح مايقوله الجميع سيأتي يوم ويظهر رجل صالح ليغير مصير العالم؟".
ابتسم الجد بلطف، وعيناه تفيضان بحنان عميق، ثم مسح على رأس الحفيد قائلاً: "نعم، يا صغيري،هناك رجلٌ وُلد ليكون نورا ورحمة للعالمين، هو بعيد عن أعيننا لكن قلبه أقرب إلينا من نبضات أرواحنا، نحن لا ننتظره كما ينتظر أحدنا عودة غائب، بل ننتظره كما يترقب الزارع السماء بعد جفاف، كما يترقب البحر سكونه بعد العاصفة، ظهور هذا الرجل ليس حدثا عابرا بل هو وعد من السماء لتحقيق العدالة التي طالما حلم بها المظلومين."
تمتم الحفيد بفضول أكبر، وعيناه تغمرها التساؤلات: "ومتى سيأتي، يا جدي؟"
أغمض الجد عينيه للحظات، وكأن بداخل قلبه حكايات وحزنا طويلاً، ثم قال بصوت مليء بالأمل: "سيأتي، يا حبيبي، عندما تتهيأ قلوبنا لاستقباله، عندما تهتدي الأرواح إلى نور الحق، وتتحرر الأيدي من ظلام الجهل لتبني معا عالما مليئا بالعدل فنحن لا ننتظره في السماء فقط، بل في أفعالنا على الأرض، في الأمل الذي لا يموت، وفي التغيير الذي يحمل وعدا بمستقبل أفضل".
ثم رفع الجد يده في تلك اللحظة، ونظر إلى الحفيد قائلاً بصوت خاشع: "ارفع يا صغيري يدك لعل إمام زمانك يسمعك فيجيب، ولعل الله يتقبل من قلب طاهر مثلك فيغيثنا "اللهم عجل لوليك الفرج."
كان الجد يشير الى الصغير فيعطيه معنى الانتظار على قدر عمره مشيرا إلى أن الانتظار لا يُرادف الاستسلام، بل يُعانق الأمل والعمل معا، إن الانتظار هو السعي المستمر لخلق واقعٍ يشبه ذلك الوعد الذي نحلم به، واقعٍ يعكس نور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) في حياتنا.
الانتظار: نهوض الروح لا خمول الجسد
إن الجلوس في زاوية الزمن، مكتوفي الأيدي، مترقبين معجزةً تقلب موازين العالم بين ليلة وضحاها هو شيء أشبه بالاستسلام المشحون بالخمول المزمن، بينما الانتظار ليس حالة ساكنة بل هو حركة مستمرة، يقظة روحية، وشعلة لا تنطفئ في قلب المؤمن، فالمنتظر ليس شخصا يتأوه من ظلم العالم ثم يعود إلى حياته كأن شيئا لم يكن، بل هو إنسان يُدرك أن الانتظار مسؤولية قبل أن يكون رجاء وهو جزءٌ من التحضير لظهور الإمام كما لو أنك نقطة ضوء في بحر الظلام تحمل على عاتقك هم العدالة في زمنٍ يغص بالجور، مدركا أن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) لن يأتي إلى عالم خانع للظلم بل إلى عالم نضج للعدل، وتهيأ لاستقباله.
فالانتظار ليس صمتا، بل صوتا يدعو للحق، فحين نفهم الانتظار بهذه الصورة، ندرك أنه ليس مجرد حالة زمنية بل حالة وجدانية وروح تعيش العدالة قبل أن تتحقق على الأرض وهذا هو جوهر الانتظار الذي يدعونا لتساؤلٍ عميق: كيف نكون من أنصاره حقاً، فإذا كان الإمام المهدي (عجل الله فرجه) هو وعد الله الحق، فإن الاستعداد له ليس شعاراً بل مسيرة تبدأ من داخل أنفسنا فكيف نكون أهلاً لهذا الشرف العظيم؟
1- انتظر بروحك، لا بلسانك
الانتظار ليس مجرد كلمات ترددها القلوب، بل هو حياةٌ تعيشها وفق مبادئه فهل نحن حقا نمثل العدل في تصرفاتنا وبعمق أكثر هل نرفض الظلم في حياتنا اليومية ولو كان في كلمةٍ جارحة، أو موقفٍ سلبي تجاه إنسان ضعيف فللظلم أشكال وكُل منا يستطيع مقاومته من موقعه ولو كان بنظرة تشير إلى هذا الخطأ منبهة، هذا هو الانتظار الحقيقي الذي يبدأ من داخلنا ويُترجم في أفعالنا، فإن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) لا يطمع في انتظار خالي من العمل، بل في انتظار يشع بالإيمان ويترجم إلى أفعال تثمر العدل والخير.
2- أحيِهِ في داخلك قبل أن تحلم بظهوره
الإمام المهدي (عجل الله فرجه) ليس فكرة بعيدة بل هو منهج حياة فقبل أن نسأل متى سيظهر فلنسأل أنفسنا: هل نحن مستعدون لنكون من أنصاره أو هل نحن نموذج لما يريده الله من عباده، فإن استطعنا الاجابة ادركنا معنى الانتظار فهو شعور يتجسد في داخلك أولا حينما تجعل من نفسك حاملاً لقيم الإمام، عاملا بها في كل لحظة من حياتك.
3- اجعل الانتظار طاقةً لا عذرا
هناك من يجعل انتظار الإمام المهدي (عجل الله فرجه) حجة لعدم العمل وكأن الظهور سيُصلح العالم دون جهدٍ منا، منتظرين ظهوره دون معرفة حتى ماهو مترتب علينا في ظهوره، دون معرفة أبسط التفاصيل عنه مبتعدين عن مفهوم المنتظر الحقيقي الذي يحمل روح الإمام، وينشر العدل، ويسعى ليكون صدىً لصوته حتى في غيبته، مشيرا أنه علينا أن لا نكتفي بالكلمات، بل نجعل من انتظاره طاقةً تثمر في كل لحظة، ولا نكن من أولئك الذين يكتفون بالقول: "متى سيأتي؟" بل ممن يقول: "ماذا يمكنني أن أفعل كي أكون أهلاً لمجيئه؟".
وفي الحقيقة، الأسئلة الصحيحة التي يجب أن نطرحها ليست عن موعد ظهوره، بل عن موعد يقظتنا نحن فهل نحن صادقون في انتظارنا، هل نسعى للعدل كما يسعى هو، هل نعد أنفسنا ليكون ظهورُهُ ميلاد عصر جديد لا مجرد حدث نراه وننتظر منه الخلاص.
هي أيام تقترب فتعيد في أرواحنا وحي وجوده وتخبرنا بقدوم النور الذي طالما كبرنا على سيرته مدركين أنه حتى لو كان العالم يتخبط في ظلامه، فإن ضوء الإمام المهدي (عجل الله فرجه) لا يزال يشع في قلوب من يؤمنون به حقا، فهل نكون نحن ذلك النور الذي يستحق أن يعانق فجر ظهوره، وهل نحن الأمة التي تستحق شفاعة نبيها وحماية وليها ووجود مخلصها، هي خطوات نسلكها فنتعلم واجبنا في عصر الغيبة وواقعنا إن ادركنا الظهور، هنا مسؤوليتنا.. فماذا نحن فاعلون؟
اضافةتعليق
التعليقات