في الآونة الأخيرة ازداد عدد الشباب الذين يشجعون ترك الوظائف التي وكما يصفوها شكل من أشكال العبودية والبدء بإطلاق العمل الخاص.
يقدم هؤلاء الأشخاص وصفاً لريادة الأعمال على إنها:
اتباع الشغف، الحياة السعيدة الإبداعية وأنت تفعل ما تحب، أنت سيد نفسك، أنت في إجازة دائمية والأموال تنهال عليك، النجاح الباهر.
يا لهذا الهراء!
إن الشباب محملين بالآمال والأحلام الكبيرة، وإحاطتهم بهذا النوع من الرسائل العابثة والسطحية ينفخهم كبالون سرعان ما ينفجر حين يحط على أشواك الواقع، لذا دعونا نعيد تعريف بعض المفاهيم لنقف سوياً على أرضية مشتركة:
الوظيفة: هي الجهود المنظمة التي يبذلها الفرد لمصلحة كيان ما له خصائصه ويحصل على مقابل مادي جزاءً لتلك الجهود.
ريادة الأعمال: هو إنشاء كيان يقدم خدمة أو منتج من الصفر.
إن مزايا الوظيفة تتلخص بأن الإنسان جزء من كيان أي تقع على عاتقه جزء من المسؤوليات وليس جميعها، كما إنه يحصل على عدة امتيازات أخرى بالإضافة إلى الراتب كالإجازات المدفوعة والإجازات المرضية في أغلب الأحيان، وإن وجوده في بيئة ذات قواعد معينة تتطلب مهارات معينة وتفرض بعض الالتزامات يساعده على بناء مهارات اجتماعية ومهنية معاً وتمكنه من بناء علاقات مفيدة في مسيرته العملية وإن هذا التطور لا يحصل عندما يعمل الإنسان بمفرده.
إن وجود زملاء عمل يساعد على تخفيف أعباء العمل من الناحيتين العملية والنفسية فتلك الثرثرة التي ترافق فترات الاستراحة عادة تمنح الفرد جلاءً نفسياً وقدرة على إدراك أبعاد موقفه، وإن ضمان الأجر في موعد ثابت من الشهر وإن كان متواضعاً يمنح استقراراً نفسياً.
وعلى الطرف الآخر نجد إن ريادة الأعمال تعني العمل الدائم طوال الأسبوع وعلى مدار الأربع والعشرين ساعة دون حياة شخصية في السنوات الثلاثة الأولى على الأقل وغالباً يكون العمل لرائد الأعمال لوحده أو مع فريق ذو عدد محدود، ومهما بلغ حجم الفريق، فكل حمل العمل ومسؤولياته تقع على رائد الأعمال، بدءً من اختيار الفكرة ثم تحديد معالم هويتها وتسويقها إلى ضمان توفير الرواتب بشكل مستمر لأفراد الفريق، والعمل حتى في أوقات المرض أو الأفراح الكبرى مع احتمالات قليلة في الوصول إلى النجاح الباهر بالرغم من كل هذا الجهد.
معظم المشاريع تتوقف في المنتصف مهما بلغ نجاحها لسبب أو لآخر منه اكتشاف الفرد أن ريادة الأعمال في المجال المختار ليس من الأمور التي يعدها من أولوياته، بالإضافة إلى أن مجالات الإخفاق كبيرة خصوصاً في بيئة متقلبة وغير داعمة للأعمال الريادية.
وريادة الأعمال تختلف تماماً عن العمل عن بعد أو العمل المستقل، هي مفاهيم لها أبعادها وخصوصيتها، نعم يمكنك أن تحصل على عمل آخر عن بعد لتنويع مصادر الدخل، أو تعمل بشكل مستقل مع جهات متعددة في الآن ذاته لزيادة الخبرات ورفع الدخل بالإضافة إلى عملك الثابت.
لا يوجد أمان إلا عند الله فالظروف كلها متقلبة ولكن التقلب في المجال الريادي أكثر وأشرس، خصوصاً إن كان الشاب غضاً لم تعركه الحياة، ولم تعلمه من دروسها، ولم تسبغ عليه من حكمتها، فقد يقاسي أشد الآلام، ويسقط في هوة لا يعرف كيف الخروج منها، وهذا ما يجعله متخوفاً غير قادر على البدء في عمله الخاص عندما يحين الوقت المناسب في سنوات عمره الأكبر والأنضج والأكثر رجاحة.
الوظيفة تعلم الإنسان تنظيم جهوده، بالتناغم مع المجموعة لتحقيق أهداف المؤسسة، وهو ما جل ما يحتاجه الشاب في بداية حياته التي تكون فيها قدراته على إدارة ذاته والتعامل مع الآخرين تدنو من الصفر.
ويبقى أن نحرص ألا تنجرف أنفسنا خلف الشعارات البراقة، والموجات الغامرة لأفكار قد تقولب حياتنا بما يسير بشكل مخالف لمصالحنا.
اضافةتعليق
التعليقات