في مُعظم الأحيان وفي نفس التوقيت من كل عام، يعاني الكثير من الأشخاص من اضطرابات مزاجية واجتماعية حيث يُسبب الطقس البارد وضوء النهار الخافت نوعاً من الإحباط والكآبة للكثيرين، فمع انخفاض درجة حرارة الجو وقصر ساعات النهار يميل البعض للإحساس بانخفاض مستوى الطاقة والشعور الإيجابي المُعتاد، غالباً ما تكون هذه المشاعر مؤقتة بالنسبة للبعض، في حين يُعاني واحد من كل ثلاث أشخاص من استمرارية هذا الشعور خلال فصليّ الخريف والشتاء وهو نوع من الاكتئاب الذي يُعرف باسم (الاضطراب العاطفي الموسمي).
يمكن أن يشتمل هذا النوع من الاضطراب على أعراض تتراوح بين كونها خفيفة إلى شديدة، ولكنها في الغالب تتضمن:
· مزاج سيء.
· فقدان الاهتمام أو الاستمتاع بالأشياء التي اعتدت التمتع بها سابقاً.
· تغيّر في الشهية (تناول كميات أكبر من الطعام).
· تغيّر في عادات النوم (زيادة معدل ساعات النوم أكثر من المُعتاد).
· الشعور بانعدام القيمة.
لم يصل الباحثون إلى نتائج واضحة حول أسباب هذا النوع من الحزن والاكتئاب الموسمي ويُعزى الأمر غالباً إلى أسباب معقدة ومتعددة الأوجه. وتشير بعض هذه الأبحاث إلى أن السبب قد يرجع إلى وجود خلل في منطقة ما تحت المهاد في الدماغ (وهي المنطقة المسؤولة عن تنظيم العمليات البيولوجية مثل الحالات المزاجية والنوم والشهية) أو إنتاج الكثير من الميلاتونين (وهو الهرمون الذي يتحكم في دورة النوم والاستيقاظ وتنتجه الغدة الصنوبرية في المخ)، كما يعتقد بعض الباحثين أن السبب قد يرجع كذلك إلى اضطراب إيقاع الساعة البيولوجية التي تنظم دورة النوم والاستيقاظ لدينا. كما أن هنالك بعض العوامل الإضافية التي قد تلعب دوراً مهماً في هذا النوع من الاضطرابات، على سبيل المثال أشارت بعض الأبحاث إلى أن النساء قد يكنَّ أكثر عُرضة للإصابة بهذا النوع من الاضطراب.
يلاحظ بعض الناس أن أعراضهم تبدأ في التحسن عندما تبدأ الفصول في التغيّر ويقترب الربيع. لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد الكثير من الأشياء التي يمكن لهؤلاء الأشخاص القيام بها خلال أشهر الشتاء لمساعدتهم على التعامل مع هذه الأعراض.
بالنسبة للأشخاص المصابين باضطراب القلق الموسمي، تشمل العلاجات الرئيسية الموصى بها التدخلات النفسية (مثل العلاج بالكلام) أو تناول الأدوية (مثل مضادات الاكتئاب) وتظهر الأبحاث أن العلاج السلوكي المعرفي (الذي يركز على تحدي أفكارنا المؤلمة وتغيير سلوكنا) هو علاج فعال للاضطراب العاطفي الموسمي.
في إحدى الدراسات، أظهر الباحثون أن العلاج السلوكي المعرفي (CBT) كان مرتبطًا بانخفاض ملحوظ في معدلات الاكتئاب عند مراقبته بعد عام واحد من مقارنته بالعلاج بالضوء (علاج آخر يستخدم أحيانًا للاضطراب العاطفي الموسمي، والذي يتضمن الجلوس أمام صندوق أو أسفله، حيث ينبعث منه ضوء ساطع للغاية لمدة تتراوح بين 20 و 30 دقيقة أو أكثر يوميًا) كما قد يساعد الحصول على مزيد من الضوء الطبيعي كل يوم بدلاً من البقاء في الداخل في تحسين الأعراض.
يتمثل جزء أساسي من العلاج المعرفي السلوكي في دعم المرضى بتقنية تسمى التنشيط السلوكي، والتي تهدف إلى تحسين الحالة المزاجية من خلال تشجيع الأشخاص على تنظيم يومهم والانخراط في أنشطة هادفة وممتعة أو ممارسة هواية معينة. تشير الأبحاث أيضًا إلى أن بعض مضادات الاكتئاب (خاصة مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية) قد تكون فعالة بشكل خاص في علاج أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي.
كما يتم حاليًا التحقيق في العلاج بالضوء كعلاج للاضطراب العاطفي الموسمي. نظرًا لأنه لا يزال علاجًا ناشئًا، تظل الأبحاث المتعلقة بفعاليته كعلاج مستقل للاضطراب العاطفي الموسمي غير متسقة. لكن أظهرت إحدى الدراسات أن العلاج بالضوء يمكن أن يكون وسيلة فعالة للتحكم في أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي عند استخدامه مع مضادات الاكتئاب. لا يتوفر العلاج بالضوء عادةً في NHS (الخدمة الصحية الوطنية في المملكة المتحدة)، لذلك إذا كنت ترغب في تجربته فتأكد من اختيار منتج تمت الموافقة عليه طبيًا لعلاج الاضطرابات العاطفية الموسمية - واتبع تعليمات الاستخدام أو استشر طبيبك العام.
بصرف النظر عن طلب المساعدة المهنية، هنالك بعض الأشياء الأخرى التي يمكن للأشخاص القيام بها مثل الخروج والحصول على بعض ضوء النهار الطبيعي هو شيء يمكن للأشخاص الذين يعانون من اضطراب القلق الاجتماعي أن يفعلوه لأنفسهم. وفقًا لإحدى الدراسات، فإن الحصول على المزيد من الضوء الطبيعي أثناء النهار قد يساعد في تحسين الأعراض. كان الباحثون في الدراسة قد طلبوا من المشاركين إما الذهاب في نزهة يومية لمدة ساعة في الهواء الطلق أو استخدام صندوق ضوء اصطناعي منخفض الجرعة لمدة 30 دقيقة يوميًا لمدة أسبوع واحد.
أظهر المشاركون الذين ذهبوا في نزهة يومية تحسنًا ملحوظًا في جميع أعراض الاكتئاب مقارنةً بمن تعرضوا للضوء الاصطناعي. في حين أنه من غير المؤكد بالضبط سبب تحسين ضوء النهار للأعراض إلا أن هذا الأمر يُعد سهلاً وفعالًا يمكن للناس القيام به لتحسين مزاجهم كل يوم.
تظهر الأبحاث أيضًا أن عوامل نمط الحياة (مثل مستويات التمرين والنظام الغذائي) يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في التسبب في الاكتئاب وإدارته. عندما يتعلق الأمر باضطراب القلق الاجتماعي على وجه الخصوص، هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن التمرين (بمفرده أو بالاشتراك مع العلاج بالضوء) قد يحسن الأعراض.
مجدداً، لا يزال سبب ذلك غير واضح إلا أن الأبحاث أشارت إلى أنه قد يكون مرتبطًا بالتغيرات في إيقاع الساعة البيولوجية لدينا. أشارت المراجعة التي نظرت في تأثير التمرين على الاكتئاب إلى الفوائد النفسية (مثل التمارين التي توفر الإلهاء عن الأفكار السلبية ووسيلة للتواصل الاجتماعي) والفسيولوجية (مثل التغيرات في مستويات الإندورفين أو الكورتيزول).
في حين أن هناك العديد من الأشياء التي يمكن للأشخاص القيام بها لإدارة أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي طوال أشهر الشتاء، فمن المهم استشارة طبيبك العام بشأن الأعراض والمشاعر - خاصةً إذا لم تتحسن الأعراض، أو إذا أصبح من الصعب إدارة الحالة.
اضافةتعليق
التعليقات