أن يُعطى الخُبز لخبّازه، والثوب لخيّاطه والخشب لنجّاره، ليس لأن تصليح هذه الأشياء مقتصر على أشخاص محددين دون غيرهم وأن لا أحد سواهم سيعرف إصلاحها أو صنعها، بل يستطيع أي شخص أن يقوم بالخبز أو الجلوس أمام ماكنة الخياطة أو الإمساك بمقبض المنشار، لكن كيف ستكون النتيجة؟ وكيف ستفرق عمّا لو قام بالعمل من كانت هذه صنعته التي قضى عمراً يعمل على احترافها؟!
لكلِ مقامٌ مقال، ولكلِ يدٍ صَنعة، ولكل مجتهدٍ حِرفة، ولا يأتي هذا إلا بعد ممارسةٍ وجُهد يُبذل وجسدٌ يكدح، ولذا فإن الحياة مُقسّمة بترتيبٍ بديع، وضع الله سبحانه لكل فردٍ آلية عملٍ وعيش تختلف عما خلاه من الكائنات، ابتداءً من ممالك الحيوانات والحشرات والظواهر الطبيعية وصولاً للإنسان، كلٌ يعمل على شاكلته، كل فردٍ يسير وفق طريقٍ رُسم له أو رسمه هو لنفسه وفقاً للمعطيات الإلهية والقابليات الجسمانية والعقلية.
إن الروح التي منحها الخالق لنا وجسّدها بأجسادٍ تميّز كل امرئ عن غيره، إنما هي المادة التي تحتاج أن تُوضع بين يديّ من نأمن عليها عنده، إنها الجوهرة التي مُنحنا دون تعبٍ أو نصب، فهل سنكونُ الجواهريّ الذي يحفظها ويصقلها ويمنع عنها الأيادي السارقة، أم سنكون الحداد الذي يُفسدُها ويكسرُها؟ والسؤال يعيد نفسه بطريقة أخرى ليكون: كم كنتَ حداداً يوماً وبين يديك جوهرة؟ أليست كل النعم التي نحن فيها جواهر تتطلب منا العناية الفائقة؟ ألست أنت بحد ذاتك جوهرة؟ الفرصة الجيدة جوهرة، والظروف الجيدة جوهرة، والتوقيت الجيد جوهرة أخرى، والطموح والنشاط والعافية والاستقرار والوعي ... كُلها جواهرٌ ثمينة ونادرة تستوجب العناية والحرص.
إن معرفة الاستحقاق الذاتي هو ما سيقود إلى تقدير هذه النِعم والعناية بها عناية الجواهريّ لا الحداد، عناية المقدّر والمستغل لكل الفرص التي يسوقها الرحمن له، عناية الساعي الذي يفعل ما هو مناطٌ به ولا يحتاج سوى توفيق ربٍ عظيم، أن تنظر لنفسك نظرة الصائغ الذي يُعنى أشدُ العناية بمصوغاته، يصهرُ التالف منها ليُحيله ذهباً جديداً، ويقوّلب الآخر ليصنع حُلياً برّاقة، هي النظرة التي تحتاج أن تنظرها لذاتك، أن تقوّم عودها، وتُحيل تعثراتها لدربٍ جديد، تمّهد لها طريقاً في البحر يبسا، أن تثق بفالق البحر، وتقدّر الجوهرة التي منحك إياها، لأن الفرص تزداد كلما تأهبت لها، كحال الصياد مع مَصِيدِه، فكلما كان أكثر استعداداً كانت عدد فرص الاصطياد مواتية أكثر.... تفحّص ما في يديك جيداً وما تحمله من جواهر، هل ستصقل أم تكسر؟ هل ستكون الجواهريّ أم الحداد؟!.
اضافةتعليق
التعليقات