للكاتبة كاي ردفيلد جاميسون
عدد الصفحات ٢٤٠
من خلال قراءتي للسيرة الذاتية النفسية للكاتبة جاميسون التي كان فيها كما كبيرا من الشفافية والوضوح خاصة وأن تفاصيل مامرّت به غاية في التعقيد والعمق ولكنها تزيد من طاقة الإنسان حين يرى أشخاصاً كانو يعيشون في حالة يرثى لها ولا يمكنهم التعامل مع ذواتهم، يفقدون السيطرة في كثير من الأحيان ولكنهم مازالوا يحاولون التقدم وبالفعل يؤمنون بإمكانياتهم ويتقدمون. الحياة ليست عادلة لكن لا يجب أن يكون الإنسان ظالماً لنفسه فوق ظلم الحياة عليه .
فالكاتبة كانت جادة وشجاعة جداً في اتخاذ قرار مثل هذا والافصاح عنه خاصة وهو يهدد حياتها المهنية في خطر محدق ويجعلها تحت المجهر .
إن أسلوب الكاتبة كان واضحاً جداً وبسيطا يصل إلى العقل والقلب مباشرةً وهذا ما يجعل الكتاب يتمكن من شد القارئ حتى يتعرف على حياة مرضى ذهان الهوس الاكتئابي الذي يشوه الأمزجة والأفكار، يحرض على تصرفات مروعة، يدمر أساس التفكير العقلاني، ويُحدث تآكلاً للرغبة والعزيمة على الحياة. إنه مرض أصله بيولوجي، ومع ذلك يشعر الشخص أن سببه سيكولوجي عندما يُدرك أنه مصاب.
إنه مرض فريد لأنه يمنح ميزة وسروراً، ومع ذلك يجلب في يقظته معاناةً لا يمكن تحملها، وتؤدي إلى الانتحار في كثير من الحالات.
تذكر :كنت أستيقظ كل يوم وأنا متعبة بحق . إنه شعور دخيل على ذاتي، مثل شعور الشخص الطبيعي بأنه لامبال أو ضجر بالحياة، وهو ما سيحدث لي لاحقاً. ثم استغراق كئيب مع الموت، والاحتضار، والتعفن، وأن كل شيء خلق لكي يفنى، الأفضل أن نموت الآن ونوفر آلام الانتظار في هذه الحياة! سحبت عقلي وجسدي المنهكين إلى مقبرة قريبة ..
في لحظة تشخيصها للكاتبة بمرض ذهان الهوس الاكتآبي فحين أخبرها الطبيب بذلك.. رددت في ذات نفسها.. الحرب بدأت للتو! لأنها تعي تماماً ماهية هذا المرض وذكرت أيضاً (في المرآة أرى كاوئاً لا أعرفه، ولكنني يجب أن أعيش معه وأشاركه عقلي).
فكون الشخص مريضاً بمرض نفسي لا يعني بالضرورة أنه غبي فالدكتورة جاميسون حاصلة على الدكتوراة في علم النفس السريري وتُعتبر الدكتورة واحدة من أهم خبراء المرض كما حصلت على العديد من الجوائز العلمية الأمريكية والعالمية وغيرها من الانجازات ..
وتصرح أنها تعتبر الإكتآب جزء مكمل لشخصيتها رغم كل الشهور القاسية وسنوات الاستنزاف.
إن في عقول المصابين بهذا المرض هناك جزء كبير منه يتهيأ للأسوأ إنها حالة يتخبط فيها الإنسان بين ذروة الطاقة والسعادة والإنجاز وبين الركود الاحباط والخمول وتزداد مدة وحدة النوبات كلما تقدم الإنسان في العمر حسب ما لاحظته في المراحل التي مرت فيها الكاتبة مما يجعل إمكانية العيش حياة اجتماعية عادية شبه مستحيل .
إنهِ مرض متعب جداً حالات واختلاجات مستمرة لا تتوقف بين الطاقة والحيوية والموت المحدق رغم أن الكاتبة تعيش في بلد يحترم هذه الحالات إلى حد ما لكنها تذكر المعاناة في اتخاذ القرار للإفصاح عنه وذكرت كثير من الاحصائيات حول المصابين به والذين يُقدمون على الانتحار بسببه وكم يؤثر على حياة صاحبه الاجتماعية والوظيفية ويجعل منه شخصاً منبوذاً من ذاته ومن الآخرين حيث يكونون لا يطيقون أن يكونوا حولك حين تكون مكتئباً إلّا أنها كانت محظوظة بوجود عائلة وأصدقاء وكادر طبي تعمل معه ويكون حولها دائماً .
وفي الخاتمة تقول عبارة يهتز لها جزء من العقل والقلب :
(أنت خائف، وأنت تخيف، لستَ نفسك أبداً ولكنك ستكون كذلك سريعاً ولكنك تعلم أنك لن تكون..).
اضافةتعليق
التعليقات