جاء الربيع, ليعيد النبض للحياة, ويمحق تجاعيد الوقت التي زينتها الأيام حتى بدى كل شيء كهلا.
ها هي شمسه لامست الأرض بعد فراق كاد أن يكون أبدي, فخلع حداد الأشجار الذابلة لتبتسم للأيام, وكسى فروعها بالورق والورود بعد أن اعتراها اليباس.
وزفت الذكريات طريقها إلى عاشقيه ليستحضروا أجمل أيامهم وكأنها بالأمس قد حصلت, لكنه عاد مغطى بالأسى لقلوبهم لما يحملوه بين وجع الفقدان والرحيل.
إذ ما زالوا ينتظرون قدوم ربيع للعراق من دون حزن مغلف بالدموع..
ذكريات لا تُنسى
تسرد الحاجة أم حسن/ 80 سنة ذكرياتها حول تحضيرات عيد الربيع أو (يوم الكسلة) كما يسمونه في البصرة آنذاك, حيث قالت بتمني: "أتمنى أن تعود تلك الأيام فقد كانت الطيبة والفطرة التي بداخلنا لا تقدر بثمن, والسبب يعود للقناعة التي تسكن قلوبنا.
كان أبي يروي لنا حكاياته بأعياد الربيع أو (نوروز) كما يسموه في شمال العراق حيث يسافر مع رفاقه إلى هناك ليستمتع بتلك الطقوس التي يعدها الأهالي بالتجهيز من زينة وفعاليات وأزياء خاصة استعدادا للدبكات الكردية، وكانت أمي تقوم بتحضير طقوسها التي توارثتها عن أمها وهي احضار إناء كبير, لتضع به أوراق الخس, والشموع, على عدد أفراد العائلة, كما تضع السكر واللبن والرز والسمسم والحناء.
وأكدت: "أن هناك بعض العوائل ما زالت تمارس هذه الطقوس وتقدسها, لكنها في السنوات الأخيرة لم تستطع من احيائها لأن المرض أضناها, فضلا عن سخرية أحفادها لهذه التقاليد, وهي تظن بأن هذه العادات ستتلاشى في الأعوام المقبلة".
ختمت حديثها: "أشعر بالحنين لتلك الأيام كونها تذكرني بأمي وفي مدينتي البصرة, قبل أن اتزوج وأسكن مدينة كربلاء المقدسة, آخر ما أتمناه أن يحل الربيع في العام القادم ويحل معه الأمان الذي نفتقده ويستقر العراق وأشهد ذلك اليوم إن أطال الله بعمري".
وشاركنا ياسر عبد الكريم معلم تأريخ قائلا: "تحتفل جميع البلدان بأعياد الربيع من كرد, وفرس, وعرب فقد تبنته جميع الأديان والطوائف, كما أن الشيعة أيضا يحترمون هذه الأيام كونها حصلت فيها مناسبات مقدسة عديدة فالكل يحتفل بأعياد الربيع على طريقته الخاصة ففي مصر يطلقون عليه موسم (شم النسيم) حيث يقيمون مهرجانا شعبيا يشترك فيه الجميع, أما ايران تعد أكثر البلدان التي تحتفل بأعياد الربيع, فحينما نتوغل في قلب المجتمع الايراني نجد أنه عيدهم المميز حيث يستقبلوه بعدة طقوس ويستمر لأكثر من عشرة أيام.
أما في بلادنا العراق, فإن نوروز من الأعياد العراقية التي لها تأريخها منذ الأزل وكانت له عدة تسميات من قبل أسلافنا, إذ كان يتخلل اقليم كردستان العديد من الفعاليات, والحفلات الموسيقية, واستعراض جوي للطائرات ويختمون الاحتفال بإيقاد شعلة نوروز واطلاق الألعاب النارية بحضور حافل للسائحين من بقية المحافظات ومن داخل الاقليم.
وأعرب ياسر عن أسفه لما آلت إليه الأوضاع في الوقت الراهن, إذ أدت إلى امتناع العديد من العوائل عن ممارسة هذه الطقوس, إذ يحتفل البعض منهم باعتباره بشرى تفاؤل بأن الربيع سيعود للعراق محملا بالخير.
ومن جانبها قالت دنيا قاسم: "في الربيع وفي مدينتنا المقدسة كربلاء تتجه العوائل إلى المتنزهات لتجدد نشاطها وحيويتها ليخرجوا من أجواء الوطن المشحونة بالنزاعات ليتمتعوا بخضرة الربيع, برغم كل ما نقاسيه من أحداث تزامنت مع أعياد الربيع منها الفاجعة الكبرى للعبارة, مازال هناك أمل بأن القادم سيكون أجمل.
أنهت حديثها متمنية أن يتوحد العراق بجميع طوائفه من سني وشيعي, وكردي, وصابئي, واليزيدي والتركماني, كلهم يد واحدة لدحر الإرهاب, أسأل الله أن يحل الربيع القادم والعراق بأفضل حال.
عراق بلا ربيع
فيما شاركنا عبد عون المسعودي/ أستاذ في جامعة كربلاء قائلا: "أقبل الربيع وهناك الكثير من البلدان لا تشعر بقدومه ولا رحيله فقد باتت أيامهم كلها سوية, كما هو حال عراقنا فقد بات بلا ربيع, فالحرية والربيع الحقيقي يحتاج إلى شعب واع لا يؤمن ولا يعتمد الخرافة في حل مشكلاته, وإن بقي هكذا فسيكون مستقبل العراق خريفا بلا محال, ولن يرزق بخضرة الربيع, كما هو حاله منذ عشرات السنين التي قضيناها تحت سياط النظام الدكتاتوري السابق, وبرغم كل تشاؤمي إلا أن هناك بارقة أمل تلوح في الأفق.
سيأتي ربيع العراق
لا أحد منا يتكهن بالغيب لكن الخريف الذي يعيشه العراق ضروريا لإحساسنا بقيمة الربيع, لتفرح قلوبنا التي أرهقها صدأ الحزن, كشعور من يتوفى أحد اصدقائه ويحضر حفل زفاف آخر, حيث ما زلنا محملين بالأمل, فهناك لهفة مشاعر وأحاسيس تنتابنا, فتارة نضحك بصخب, وتارة نبكي بألم لشهدائنا, ثم نواصل أيامنا لديمومة الحياة.
وها نحن نستحضر هذه الأيام المباركة بولادة اللآلئ الفاخرة التي تتوج بمولد سيد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام) ويختمها مولد منقذ البشرية الامام الموعد الحجة المنتظر (عجل اللهم فرجه الشريف) ليمتزج اشراق مولدهم مع إشراق ربيع العراق الحبيب.
اضافةتعليق
التعليقات