ذات مرة، قيل لرائد الصناعة "فورد" على لسان أحد الزوار: "يبدو من المستحيل يا سيد فورد أن رجلاً بدأ منذ 25 عاماً دون أن يمتلك أي شيء بإمكانه تحقيق كل هذا".
فرد "هنري فورد" قائلاً: "تقول إنني بدأت دون أن يكون لديّ أي شيء، وهذا أمر غير صحيح، فكل إنسان يبدأ وتكون لديه كل الأمور، فكل الأمور موجودة هنا من الجوهر إلى المادة".
كان "هنري فورد" محقاً من الناحية الفلسفية. فالمواد المحتملة (العناصر، والمركبات، والمواد التي يمكن منها تصنيع أو تركيب الأشياء) كلها موجودة بالفعل في الكون. ونحن البشر لا نستطيع صنع شيء من العدم.
وإذا عرَّفت الإبداع تعريفاً دقيقاً بأنه "جلب شيء إلى الوجود دون أخذه من أية مواد موجودة سابقاً" كما عرفه "توماس أكويناس"، فسيكون من الواضح – كما قيل – أن: "الله وحده هو من يخلق، والإنسان فقط يعيد الترتيب". نعم، يمكن للإنسان أن يبدع، ويبتكر، ولكنه لا يملك القوى أو التأثيرات المنسوبة للخالق الأعظم، ومن خلال هذه الخلفية يمكن استكشاف أربعة أشكال رئيسية للنشاط البشري تتضمن التفكير الإبداعي:
1- الصنع – المصطلح العام الذي نستخدمه للتعبير عن جلب شيء إلى الوجود، لكنه يتضمن التعامل المادي أو المجازي مع المواد. كان "فورد" صانع سيارات، لكنه كان يصنع شيئاً بصورة متكررة من خلال عملية ثابتة باستخدام الآلات.
2- الإبداع – يعني تصنيع شيء مفيد، عادة ما يكون نتيجة تفكير أو تجربة عبقرية.
3- الاكتشاف – هو افتراض الوجود المسبق لشيء ما، ويشير إلى الإيجاد وليس الصنع.
4- الابتكار – نادراً ما يشير إلى الاستخدام أو التعامل الفعلي أو المجازي مع المواد. والدلالة الأبرز له هو جلب ما يصوغه العقل وتنفذه الإرادة – باعتبارها الأداة الخاصة به – إلى الوجود. ويكون المنتج النهائي مختلفاً تماماً عن المواد المستخدمة في صنعه.
إن التفكير الإبداعي هو إيجاد أفكار جديدة، بينما تعد الإبداعية – عمل الإبداع – مصطلحاً أوسع. إنها العملية الكاملة التي يتم من خلالها تصور شيء لم يكن موجوداً، ومن ثم يتم إعطاؤه شكلاً ثم إحضاره إلى الوجود.
تذكر النقطة الأساسية التي تقضي بأننا كبشر لا نخلق شيئاً من العدم. ويقول الرسام العظيم السير "جوشوا رينولدز": "إذا تحدثنا بدقة، فسيكون الابتكار ما هو إلا تركيبة تم تجميعها في السابق ووضعها في الذاكرة؛ فلا يمكن جلب شيء من العدم".
هل هي جديدة في هذا السياق؟
قد تعتقد أن فكرة ما تعد مبتكرة لأنها جديدة بالنسبة لك؛ لكن إذا كان هذا فقط هو المعيار المستخدم للتقييم، فاعلم أنه معيار ضعيف وبدائي.
إن الاتيان بفكرة جديدة بالنسبة لك، يعد خطوة في الاتجاه السليم بكل تأكيد، لكن يجب أن تطرح على نفسك السؤال التالي: هل هي جديدة بالنسبة للآخرين؟ هل طرأت هذه الفكرة على السوق من قبل؟
في الحقيقة، من المستحيل فعلاً الحصول على فكرة جديدة تماماً؛ فالبشر موجودون على سطح الأرض منذ زمن طويل. ولذلك، فأي شيء يمكنك تخيله ربما تم التفكير فيه أو اختراعه على يد شخص آخر من قبل.
يعد مفهوم الحداثة نسبياً، فالأمر الجديد في سياق معين، يعد قديماً في سياق آخر.
ما الابتكار؟
إن المجدد هو من يقدم شيئاً جديداً أو يقدم شيئاً باعتباره جديداً، كمنتج أو خدمة للسوق، ويشمل هذا المفهوم تحسين منتج أو خدمة موجودين بالفعل.
إن التجديد يعني حرفياً جعل الشيء جديداً، ومن ثم ينطوي على التغيير أو التحديث. وهو لا يعني تصميم شيء جديد من لا شيء. نقطة البداية عادةً ما تتمثل في معرفة ما يحدث الآن، أو كيفية حدوثه.
ومع مرور الزمن يصبح كل شيء عتيقاً، أو حتى قابلاً للزوال، وبعد التعليق على سرعة التغيير في الوقت الحاضر، قال لي أحد المسئولين التنفيذيين: "إذا كانت الفكرة عاملة، أصبحت عتيقة بعد فترة".
إن تغيير الأمور ضروري للقيادة. وتغييرها قبل أي شخص آخر هو الإبداع".
مجتمع إبداعي
يزدهر الإبداع في بيئة من التحفيز والتغذية الراجعة والنقد البناء المتبادل في مجتمع إبداعي.
ربما تجد أنه من المفيد أن تفكر في الابتكار الناجح في ضوء مقارنته بإنتاج مسرحية أو فيلم تتضافر فيه جهود جميع الأشخاص كالمخرج، والمنتج، والمؤلف، وكاتب السيناريو. فالعمل الابتكاري الناجح يضم أحد هؤلاء الأفراد أو أكثر...
العوائق الستة أمام التفكير الإبداعي
من طرق تحسين مهارات التفكير الإبداعي تبنى إستراتيجية غير مباشرة للتخلص من العقبات التي تعترض طريقك. إليك قائمة تشير إلى العوائق الرئيسية، لكنها لا تشملها كلها:
1- النظرة السلبية – وتعني الميل إلى التركيز على المشاكل وبذل الطاقة في القلق، بدلاً من البحث عن الفرص التي يطرحها الموقف.
2- الخوف من الفشل – ويعني الخوف من الظهور بمظهر الأخرق أو الخوف من سخرية الآخرين. بيد أن "توم واتسون" مؤسس شركة "آي بي إم" قد قال: "الطريق إلى النجاح السريع يتمثل في مضاعفة معدل الفشل"، فالفشل شرط ضروري للنجاح.
3- التوتر الوظيفي – ويعني عدم وجود وقت كافٍ للتفكير بإبداع، فالشخص المثقل بالأعباء يجد صعوبة في التفكير بموضوعية. كما أن الأعباء غير المرغوبة تقلل من كفاءة كل العمليات العقلية.
4- اتباع القواعد – بعض القواعد ضرورية، لكنها تشجع على الكسل الذهني. إن الميل إلى اتباع أنماط المعتقدات أو الأفكار المقبولة المتمثلة في قواعد الوضع الحالي وحدوده يمكن أن تعيق التفكير الإبداعي.
5- الافتراضات – وتعني الفشل في تحديد الافتراضات واختباراتها التي تقوم بها للتأكد من عدم استبعادها الأفكار الجديدة، فكثير من الافتراضات غير الواعية، على وجه الخصوص، تحد من التفكير.
6- المبالغة في الاعتماد على المنطق – ويعني تسخير كل قدرتك الذهنية للتفكير أو التحليل المنطقي بشكل تدريجي، وهذا سيبعدك عن الخيال والحدس والإحساس والدعابة.
تذكر أن أكبر عقبة يمكن أن تواجهها هي اعتقاد أنك – الوحيد من بين البشر الذي تفتقر إلى الإبداع. إن المدارس التي تركز كثيراً على التفوق الأكاديمي تقتل الإبداع، وتشكل عائقاً يمنع الناس حتى من مجرد دخول السباق، وهذا يعد نوعاً من انخفاض التقدير الذاتي.
لقد كنت مبدعاً عندما كنت طفلاً، أليس كذلك؟ لماذا لم تعد هكذا الآن؟ هذا الطفل ما زال بداخلك؛ فاتركه يخرج ويلعب في بعض الأحيان، وسيفاجئك بأفكاره؛ فضلاً عن حصولك على مكافأة مجزية تتمثل في شباب القلب الدائم.
"إذا احتفظت بالرغبة في الإبداع، فستظل روح الطفل نابضة بداخلك مهما تقدمت في العمر".
اضافةتعليق
التعليقات