الانتظار هو الخط الفاصل بين حماسنا الغزير العابر وتوقنا الحقيقي الكبير، وأفضله ذلك الانتظار المنقوع بالصبر الذي يكشف لنا قوة رغبتنا ونضوج غايتنا ومستودع صبرنا عندما توقفنا الأقدار أعوام بين مرور ومرارة وعيوننا ترنوا وقلوبنا تخفق لذلك الحلم البعيد فنكون بين خيارين أما نتدثر بالأمل ونواصل السعي أو نضع حلمنا بكفة اليأس.
وحدهم المحبين هم من يلبسون ثوب الانتظار متسلحين بالعزيمة والدعاء لله ليطيل ذلك الارتباط بينهم وبين أمنيتهم التي تسري بدمهم من الغدوة إلى العشية حتى تتحقق لأنها موطن البهجة والسكينة لهم.
حكت لي يوما عجوزا من مدينة الأهواز قائلة: انا العاشقة وكنت اعلم إن معشوقي ينتظرني، وحين قال لي حفيدي إن تكاليف سفرك ولقائك به هي ملىء هذه العلبة عزمت على جمع النقود فزدت من ساعات عملي في بيع الورود على الطرقات وكلما شممت عطرا فواحا لزهرة جديدة قلت إن العطر في حضرتك يا مولاي هو الأجمل، وكنت أهز العلبة حين أضع فيها النقود فأجدُ فيها فراغا فأتوجه إلى خالقي ليمد بعمري ويزيدني قوة لأتمكن من زيارة سيدي ومولاي أبا عبد الله الحسين وبعد أن كفكفت دموعها قالت: تحملت العسر لأنني مؤمنة إن اليسر قادم والحلم سيتحقق وها انا اليوم أكثر بالدعاء والصلاة بمرقد سبط الرسول وسيد الشهداء عسى الله أن يجعلنا من أهل الجنة.
أما السيدة التي وصلتني قصتها واقشعر بدني لسماعها فتقول: كل يوم كنت ادعُ الله أن يوفق جارنا ويسهل عليه السفر لزيارة مرقد الحسين ابن علي (عليه السلام) فقد وعدني أن يعطيني قميصه (الشالوار) الذي سيلبسه طيلة زيارته لأتبرك به وكنت انتظره متى يسافر، ويوما أصابه المرض فحزنت لأنه رجلٌ طيب وما زاد من حزني هو خوفي من عدم استطاعته زيارة كربلاء وهو الذي اعد لها كل شيء، وبعد دعائي ودعاء أحبته شفي جاري وانتظرته بصبرٍ كبير حتى عاد ووفى بوعده لي فالانتظار صعب ولكنه يهبك لذة الفوز.
وثانية تقول: من بين أحلامي الكثيرة كان ذلك الحلم أكبرهم، وعندما أصبت بمرض عضال كانت حماستي قوية وأملي كبير إني سأتغلب على المرض وازور سيدي الحسين وانا في كامل صحتي ولكن رغم العزيمة والإصرار والعلاج، أخذت صحتي تتدهور شيئا فشيء فأحسستُ باليأس وتنازلت عن كل أحلامي ألاّ تلك الأمنية التي لم تخبو فاستبدلتها بزيارة مولاي وانا مقعدة، ولكن الجميع من حولي تململ من هذا الطلب فالطريق طويل وانا عليلة فطلبوا مني الانتظار إلى وقتٍ غير معلوم وكلما أشعر أن نهايتي اقتربت انتابني القلق خوفا من عدم الوصول وكلما أحسست إنه لم يبق في قوس الصبر منزع أستعذ بالله وأصبر وبعد الدعاء وإصراري الكبير، جاء ذلك اليوم المفعم بالهدوء والراحة فتسابقت لهفتي مع الطريق وحين وصلنا إلى كربلاء كانت أشعة الشمس الغاربة قد غيرت ألوان السماء أما أنا فقد أشرقت روحٌ جديدة بداخلي.
اضافةتعليق
التعليقات