العمل الذهني بمفرده لا يسبب لك التعب. قد يبدو ذلك سخيفا. لكن منذ سنوات قليلة، حاول العلماء أن يكتشفوا كم من الزمن يستطيع الذهن البشري العمل من دون التوصل الى "الطاقة المتناقصة للعمل"، هذا هو التعريف العملي للإرهاق. ويالدهشة هؤلاء العلماء حين اكتشفوا أن الدم الذي يمر عبر الذهن، حين يكون ناشطاً، لا يبدي أي ارهاق بتاتاً!.
اذا أخذت عيّنة من دم عامل يومي أثناء قيامه بعمله، تجد أنه مليء "بجراثيم" الإرهاق وآثار الإرهاق. لكن اذا أخذت نقطة دم من ذهن ألبرت إينشتاين، تجد أنها خالية من جراثيم الإرهاق حتى في نهاية اليوم.
وفيما يتعلق بالذهن، فهو يستطيع أن يعمل "بشكل جيد وبسرعة في نهاية ثمان أو حتى اثنتي عشرة ساعة من الجهد، مثلما يعمل في البداية.
فالذهن لا يتعب أبداً... فما الذي يتعبك اذاً؟
يعلن أطباء النفس أن معظم الإرهاق هو نتيجة لمواقفنا الفكرية والعاطفية. يقول ج.أ. هارفيلد، أشهر الأطباء النفسانيين في انكلترا، في كتابه "علم نفس القوة": "الجزء الأكبر من الإرهاق الذي نعاني منه مصدره الذهن، وفي الواقع، أن الإرهاق الناتج عن مصدر جسدي بحت هو أمر نادر".
ويذهب الدكتور الأميركي الشهير أ.بريل أبعد من ذلك. وهو يعلن: "مئة بالمئة أن إرهاق العامل المتمتّع بصحة جيّدة يعود إلى عوامل نفسية، وهي التي بها نعني عوامل عاطفية".
فما هي أنواع العوامل العاطفية التي تتعب العامل (أو العامل المستريح)؟
الفرح؟ الراحة؟ كلا! أبداً! إن السأم والاستياء والشعور بعدم تقدير الآخرين له والشعور بالعداء والسرعة والقلق هي العوامل العاطفية التي ترهق العامل وتجعله عرضة للرشوحات وتقلّل من مردوده وتعيده إلى منزله مصاباً بصداع شديد. وهكذا، نحن نتعب لأن مشاعرنا تسبب لأجسادنا التوتر العصبي.
أشارت إلى ذلك شركة متروبوليتان للتأمين على الحياة في كتيّب عن الإرهاق: "إن العمل المرهق نفسه نادراً ما يسبب الإرهاق الذي لا يمكن شفاءه بالنوم أو الراحة... إلا أن القلق والتوتر والاضطراب العاطفي هي الأسباب الحقيقية للإرهاق. وليس العمل الجسدي أو الذهني هما السبب... تذكر أن العضلات المتوترة هي عضلات عاملة. تمهل! ووفّر طاقتك للواجبات المهمّة".
راقب نفسك بهذه اللحظة مراقبة دقيقة. وبينما تقرأ هذه الأسطر، هل تعبس؟ هل تشعر بتوتر؟ أم تجلس مسترخياً في مقعدك؟ أو هل ترفع كتفيك؟ وهل عضلات وجهك مشدودة؟ اذا لم يكن جسدك مسترخيا كدمية قماش قديمة، تكون في هذه اللحظة تبذل توتراً عصبياً وتوتراً في عضلاتك. فأنت تبذل توتراً عصبياً وإرهاقاً عصبياً!.
لِم نسبب مثل هذه التوترات أثناء قيامنا بعمل ذهني؟
يقول جوسلين: "أرى أن العقبة الرئيسية... هي الاعتقاد السائد من أن العمل الشاق يتطلب شعوراً بالجهد وإلا لايمكن انجازه بشكل جيّد". وهكذا نحن نقطب عندما نفكّر، ونرفع كتفينا، وندعو عضلاتنا للتظاهر بالجهد، الأمر الذي لا يساعد الذهن على العمل أبداً.
هنا حقيقة مأساوية مذهلة: إن ملايين الناس الذين لا يحلمون في فقد المال، يتجهون إلى فقد وهدر طاقاتهم دون اكتراث..
فما هو اذن الجواب لهذا الإرهاق العصبي؟
الاسترخاء! تعلّم أن تسترخي أثناء قيامك بعملك!.
هل هذا سهل؟ كلا. فربما عليك أن تقلب عادات حياتك رأساً على عقب. لكن الأمر يستحق هذا الجهد، لأنه ربما يحرر حياتك! قال وليم جايمس في مقالته: "رسالة الاسترخاء" ، "إن التوتر المتزايد والسرعة وشدة المعاناة لدى الأمريكي... هي عادات سيئة لا أكثر ولا أقل".
إن التوتر هو عادة. والاسترخاء هو عادة. والعادات السيئة يمكن القضاء عليها واستبدالها بعادات جيدة.
كيف تسترخي؟ هل تبدأ بذهنك أم بأعصابك؟ يجب أن لا تبدأ بأي منهما، بل ابدأ بعضلاتك!.
يقول الدكتور إدمون جاكوبسون من جامعة شيكاغو اذا كنت تستطيع إرخاء عضلات عينيك، تستطيع أن تنسى جميع متاعبك! وسبب أهمية العين في إزالة توتر الأعصاب يعود إلى كونها تستهلك ربع الطاقات العصبية التي يستهلكها الجسد. ولذلك أيضاً يعاني الكثيرون ممن يتمتعون بنظر جيد من "توتر العين". فهم يوترون عيونهم.
تقول فيكي بوم، الروائية الشهيرة، إنها حين كانت طفلة، التقت برجل عجوز علمها أحد أهم الدروس التي تعلمتها في حياتها.
إذ سقطت وجرحت ركبتها وأصيبت في معصمها. فالتقطها الرجل العجوز الذي كان يعمل في شبابه مهرجاً في السيرك، وأزال عنها الغبار والأوساخ، ثم قال: "إن سبب إصابتك وجروحك هو أنك لا تعرفين كيف تسترخين. يجب أن تتظاهري أنك رخوة مثل جورب قديم. تعالي لأريك كيف تفعلين ذلك".
هذا العجوز علّم فيكي بوم والأطفال الآخرين كيف يقعون ويتشقلبون. وكان يصر دائماً على القول: "فكّر في نفسك وكأنك جورب قديم، عليك أن تسترخي دائماً!".
يمكنك أن تسترخي في لحظات الفراغ، وأينما كنت لا تبذل أي جهد للاسترخاء. فالاسترخاء هو غياب لكل التوتر والجهد. فكّر بهدوء وإسترخاء. إبدأ بالتفكير باسترخاء عضلات عينيك ووجهك، ردّد دائماً: لنبدأ بالاسترخاء...".
هنا خمسة مقترحات تساعدك على الاسترخاء:
1-اقرأ أحد أشهر الكتب التي تدور حول هذا الموضوع: "التحرر من التوتر العصبي" تأليف الدكتور دايفيد هارولد فينك.
2-استرخي في لحظات الفراغ، اترك جسدك يسترخي تماماً.
3-اعمل في وضع مريح. تذكر أن التوتر الجسدي يسبب ألماً في الكتفين كما يسبب الإرهاق العصبي.
4-تفحص نفسك أربع أو خمس مرات في اليوم، قل في نفسك: هل أجعل عملي أكثر ارهاقاً مما هو عليه؟ هل أستخدم عضلات لا دخل لها في العمل الذي أقوم به؟ إن هذا سيساعدك في تكوين عادة الاسترخاء.
5-اختبر نفسك ثانية في نهاية اليوم، وذلك بالسؤال: "هل أنا تعب؟ فاذا كنت تعباً، فليس هذا بسبب العمل الذهني الذي قمت به، بل بسبب الطريقة التي اتبعتها للقيام به".
يقول الدكتور دانيال و. جوسلين: "لا أقيس منجزاتي بمقدار تعبي في نهاية النهار، بل بالكمية التي لا أشعر بها من التعب. فعندما أشعر بالتعب في نهاية النهار، أو حين أشعر بتعب أعصابي، أعرف تماماً أن نهاري لم يكن ذو فعالية بالنسبة للنوعية والكمية".
اضافةتعليق
التعليقات