إن بناء علاقة وطيدة بين الزوجة الجديدة والابناء هو من أصعب التحديات التي يمكن أن تواجه أيَّ أب بعد وفاة زوجته أو طلاقه منها او الزواج من زوجة ثانية، وعند وجود ابناء من الزواج الثاني، يتطلب منه ذلك الكثير من الجهد والتضحية لاقناع الزوجة الجديدة بتقبّل الاولاد والقبول برعايتهم، والاولاد من الزواج الاول يحملون الضغائن والاحقاد لاخوتهم من الزواج الثاني.
ولعل قصة قديمة كان يرددها اجدادنا عن زوجة الاب لا تتفق مع هذه القاعدة حيث تقول القصة ان زوجة الاب الاولى التي كانت تنجب البنات كانت كلما ولدت شريكتها ولدا ثقبت رأسه بمسمار الى ان يموت وقتلت بذلك خمسة اولاد لشريكتها وقد رق قلبها مؤخرا مع الولد السادس فتركته يعيش، وعندما كبر هذا الولد كان اخا بارا باخواته وزوجة ابيه الذي كان يناديها بأمي وقد انفق على اخواته السبعة وزوجهن وارسل زوجة ابيه مع والدته الى حج بيت الله، حينها ندمت زوجة ابيه لانها لم تترك اخوته الخمسة على قيد الحياة.
حكايات الضغائن والمؤامرات تعكر صفو الحياة الزوجية، وبين الزواج الاول والثاني اخوة يشترك في عروقهم دم واحد ومشاعر المحبة والوئام تدفن تحت ركام الاخوة والمحبة.
يطالبون بالتركة قبل وفاة الاب
تقول (ام علا) انها تزوجت من رجل له تجربتين سابقتين في الزواج ورزق ببنت من الزواج الاول الذي انتهى بالطلاق ثم رزق باربعة اولاد من الزواج الثاني، وتقول: لقد وافقت على الزواج منه لاني كنت اعلم ان الاولاد يعيشون مع والدتهم في بغداد وكونه مطلق هذا شيء عادي وعشت مع زوجي 15 عام بدون مشاكل حتى اصابه مرض اقعده عن العمل وصار اولاده الاربعة يزوروه باستمرار ويقيمون معي وكانوا يطالبوه ببيع بستانه واملاكه لتوزيعها بينهم، وابنه الكبير كان شرسا ويهدده احيانا بالضرب او تهديم البيت او حرق البستان اذا لم يعطيهم حقوقهم وهو على قيد الحياة، وقد حاول زوجي مرارا التقرب لهم والتفاهم معهم بالحسنى فلم يستطع وكلما اثير هذا الموضوع وطرح على زوجي ترتفع اصوات الشجار بين ابن زوجي الاكبر وولدي ويتبادلون شتى الاهانات، ولا ادري ماذا سيحصل لي ولاولادي بعد وفاة زوجي.
(بتول) /35 سنة قالت: تزوجت من رجل مطلق له ابن منذ ثلاث سنوات وهو يكبرني بـ 18 سنة وكان عمر ابنه انذاك 6 سنوات ومن يوم دخلت بيته وابنه يناديني بـ ماما، لم اكن راضية عن هذا لاني لم اتفق مع زوجي على ذلك ودائما كان يردد بابا تزوجك من اجلي، ابتسم دائما واقول طيب، ولا اخفي عليكم اني كنت تعيسة جدا ومتضايقة لتحملي مسؤوليته لكني كنت افعل كل ما بوسعي لإرضاء الله ثم لإرضاء زوجي.
ثم حملت بعد مرور ستة اشهر وانجبت طفلا. منذ ان انجبت طفلي وابن زوجي يتغير في سلوكه يوم عن يوم، احاول دائما ألا أشعره بأنه وحيد وبعيد ولكن تصرفاته السيئة تجعلني أحاول تجنبه وتركه في حاله فهو دائما ما يكذب ويكذب كثيرا ونصحته بأن هذا خطأ لكن لا جدوى بل يتفنن بالكذب على كل شيء وأحيانا يضايق أخوة الصغير ودائما اقول له لا تفعل ذلك مع اخوك الصغير حتى يحبك عندما يكبر، وأحيانا يخطف ألعاب صغيري ويهرب بها ليلعب وابني يبكي ويطلب منه اللعبة بحرقة ويصرخ لانه لا يزال صغيرا على الكلام.
واحاول جاهدة ان افعل كل ما يرضي ربي تجاه هذا الطفل من رعاية واهتمام واقدمه على ابني في كل شيء حتى لا أظلمه ولكني لا استطيع الاستمرار في ذلك فقد اختنقت ولا انكر اني السبب في ما انا عليه فقد نصحتني امي قبل الزواج وقالت لي انا اعرفك تماما يا ابنتي انت لن تصبري على هذه الحياة ولن تتحملي ابن ليس ابنك، وها انا ادفع ثمن تسرعي وعنادي واحاول ان اصبر لأجل ابني الصغير الذي لولاه لتركت البيت، ابني يقيدني بهذا البيت.
ام البنات
و(عبد الامير)/50 سنة الذي تزوج فتاة بعمر ابنته الكبرى وانجبت له خمسة اولاد اضافة للبنات الاربعة التي انجبتهم الاولى، وتسكن الزوجة الاولى عند اهلها وهم منفصلان تقريبا والزوجة الثانية في بيت آخر، وقد جاورت الزوجة الثانية لاكثر من 15 عام، كانت تمتعض كثيرا من بنات زوجها عن زيارته للمطالبة بالنفقة والمصاريف وترتفع اصوات الطرفين الينا وبقية الجيران لهذا السبب وتتكرر هذه الحالة شهريا والزوجة الاولى تدافع عن نفسها وعن زوجها والزوجة الثانية التجأت للمحاكم ولم تحصل على حقوقها وحقوق بناتها، ونشات القطيعة وظهرت الضغائن وتفرق الاخوة الى ان تزوجت البنات فاضطرت الاولى للتنازل من اجل ان يقابل الزوج الخاطبين لتزوج بناتها، وبعدها لم اشاهد البنات في زيارة الوالد الا في المآتم فقط.
صلة الرحم
(معد الياسري) لاتنطبق عليه هذه الحكايات ويقول: طلبت زوجتي الاولى الانفصال عني وتنازلت عن جميع حقوقها وتركت لي طفلا ذو سنتين فقط وتزوجت من فتاة محترمة وحنونة كانت اما ثانية لابني وانجبت الثانية بنتين، والاخوة الثلاثة في رعايتي متساوون امام والدتهم وامام الله.
ويؤكد معد ان الامر بيد الزوج وهو الذي يقرر شكل العلاقة بين الاخوة ويرسم معالمها. واذا كنت اشرح لاولادي عن اهمية صلة الرحم بينهم وبين اخوالهم واعمامهم، فكيف تكون بين الاخوة؟.
الشاب (حسين) من مواليد 1990 قال: تزوج والدي من والدتي بعد قصة حب سريعة وغريبة (حسب رواية جدتي) وكانت له زوجة سامحها الله مع اربعة اولاد، وتحت ضغوط عائلة الزوجة القوية وتهديدات الزوجة الاولى اجبر على الانفصال من والدتي وكانت حامل بي وعاد لاسرته الاولى. ونشأت وحيدا عند جدتي وجدي بعد ان توفيت والدتي من الهم والكمد وانا في سن الرابعة وبعدها مباشرة توفي والدي بحادث، وقد حاولت كثيرا الاتصال باخوتي دون جدوى وحتى لم يسمح لي بحضور فاتحة والدي لان زوجة ابي اشترطت ان لايعترف بي والدي ولا اتعرف على اخوتي، وقبل ثلاثة اعوام قلت ان الزمن قد يغير النفوس وتجرأت وذهبت الى بيت والدي وطرقت الباب وفتحت الباب اختي وعرفتني من دون ان اعرفها بنفسي للشبه الكبير بيني وبين والدي واخوتي. فقلت لها انا حسين ساتزوج واحب ان يحضر اخوتي مراسيم زواجي، لم تجب الفتاة ونادت والدتها وهي ترتجف قائلة: هذا ابن ابي فخرجت زوجة ابي كالنمرة الهائجة وطردتني بوحشية، وقالت افعل ماشئت لاعلاقة لنا بك ولانعرفك وان كان لك اب فقد مات.
وعدت ادراجي حزينا الى اجدادي وتزوجت وصار عندي طفلين ولازلت اسأل عن اخبار اخوتي واراقبهم من بعيد واتمنى من الله ان يزرع المحنة في قلوبهم ليصلوني.
الباحثة الاجتماعية
الباحثة الاجتماعية (جمانة محمد علي) قالت: لا شك أن قبول الزوجة الدخيلة يتطلب منها الكثير من التضحية، إذ ليس من السهل أبداً على المرأة أن تربّي أولادا غير أولادها، الا اذا كان الله قد مناها بقلب كبير وشعور إنساني رهيف، فمدّ جسور التفاهم مع أولاد الزوج وإنشاء علاقة متينة وصادقة يستدعي الكثير من الصبر والتضحية، وليست كل زوجة أب متميزة بذلك.
ولا يمكن أن نغفل أو نتجاهل الوجه الآخر للمشكلة وهو: موقف أولاد الزوج وهم يرون امرأة أخرى جديدة تحلّ مكان أمهم وتفرض عليهم سلطتها، ولا بدّ أنهم يرون فيها امرأة دخيلة تبعد الصورة الاصلية للعائلة، ومن شأنها أن تقطع أي أملٍ في إعادة جمع شملها.
أما في حالة قدوم زوجة الأب بعد وفاة الأم، فالامر لا يقل صعوبة ًبالنسبة لهم إذ ان الامر سيفاقم حزنهم ويزيد من حسرتهم على والدتهم الراحلة التي نسيها والدهم وقام باستبدالها. هنا تختلط في قلوب الاولاد مشاعر الكراهية والرفض والخوف في آنٍ معا، الامر الذي يفاقم الحاجز بينهم وبين الزوجة الجديدة وبين الاخوة الجدد، حاجزٌ يصعب لا بل يستحيل احياناً تجاوزه.
ويرجع حسم "المعركة" الى شخصية الاب وقدرة زوجته على التأثير عليه، فإن كانت شخصيته ضعيفة، يرضخ لمزاعم زوجته ويصبح بدوره أكثر قسوة في معاملته لاولاده، الامر الذي يزيد المشكلة تفاقما، واذا أيقن أن زوجته تسبب التعاسة لاولاده فذلك يمكن أن يخلق مشاكل زوجية بينهما، وان يؤدي بهما إلى الطلاق.
رأي الشرع والدين
قال الشيخ (عزيز الياسري) من الحوزة العلمية في النجف الاشرف: رغم أن زوجة الاب ليست من الأرحام، ولكن مع ذلك يحرم قطيعتها، لأنها صارت فرداً من الاسرة، فقيمتها وقدرها من قيمة الاب وقدره طالما أنه رضيها لنفسه زوجة.
هذا بالإضافة إلى أنه لا يجوز هجر المسلم، ففي قول متفق عليه لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ) وفِي هَذَا الْحَدِيث تَحْرِيم الْهَجْر بَيْن الْمُسْلِمِينَ أَكْثَر مِنْ ثَلَاث لَيَالٍ، وَإِبَاحَتهَا فِي الثَّلَاث الْأُوَل بِنَصِّ الْحَدِيث، وَالثَّانِي بِمَفْهُومِهِ، قَالُوا: وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْهَا فِي الثَّلَاث لِأَنَّ الْآدَمِيّ مَجْبُول عَلَى الْغَضَب وَسُوء الْخُلُق وَنَحْو ذَلِكَ؛ فَعُفِيَ عَنْ الْهِجْرَة فِي الثَّلَاثَة لِيَذْهَب ذَلِكَ الْعَارِض.
هذا بالنسبة للمسلمين، فكيف الاخوة من دم واحد ومن نفس الاب؟
فإن الله والرسول واهل البيت يوصونا بصلة الارحام وصلة المسلمين وغيرهم في الحياة والاقربون اولى بالمعروف.
اضافةتعليق
التعليقات