حينما يرحلُ عالمٌ أو خطيبٌ أو خادمٌ يبكي أهل الأرض ويفرحُ أهل السماء والملائكةِ والأنبياء والأوصياء والأئمة والأولياء. تنعاهُ الحسينيات والطرقات والمساجد والمنبر والعمامة، عباءته وجبته والأسماع.!
يحلُ ضيفًا عليهم وهم جالسين على موائدٍ لطالما استحسنوا الجلوس حولها موائدٍ استلذوا بفيضها أكثر من ملذتهم بأمور الدنيا. يحلقون حولها مستأنسين. يقودهم سيد شباب أهل الجنة حبيبهم الذي طالما سعوا لخدمتهِ.
السيد محمد باقر الفالي
خادمٌ كان لهُ الأثر الكبير في الوسط الحسيني المبارك، اشتاق له سيده ليضمهُ إلى جواره بنفسٍ مطمئنة مترجمًا تلك الآية (ياأيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربكِ راضيةً مرضية).
كانَ صوتًا مؤثرًا بأسماع خدمة الحسين و العوام من الناس. فكان للعشرات من الخطباء والمثقفين آراء عديدة أبدوا بها رأيهم بالراحل إشادةً بهِ وبمسيرته.
منهم خادمة الحسين الشاعرة والقارئة أم زينب كان لها رأيًا ذكرت فيه: بدايةً نحنُ لا ننسى أن نور الحسين لا ينطفئ مهما جار الظلم ومرت الأيام والسنين والشاهد على ذلك كلام السيدة الطاهرة زينب (عليها السلام) عندما قسمت بالله وقالت: "فوالله لا تمحي ذكرنا" لذلك الخطباء هم رحمة ووسيلة لإبقاء صوت الحسين. والسيد محمد باقر كان منهم، أمّا تأثّرنا به فمؤكد كل خادم للحسين (عليه السلام) يكون مؤثرًا بشرط إخلاص النيه مع سيد الشهداء إذا أخلص النية فبذلك يتنور قلبه بنور الإيمان وهذا النور يؤثر على كل مستمع له.
كما أن للسيد قصص مؤثرة جدا وكان يلقيها بصورة تدخل إلى قلب المستمع وتبعث الإيمان بداخله ناهيك عن المواعض القيمة، لقد تناول السيد العديد من المواضيع في حق الوالدين وثواب الدمعة على الحسين والكثير كما كان يحث على قراءة القرآن والتبصر في معانيه.
بأسلوبه اللطيف بيّنَ ووجه الكثير من الناس. هنيئًا لهُ فذكرهُ سيبقى في قلوب محبي الحسين، فقد تُبلى الأجساد ولكن يبقى العمل الصالح صدقة تلحق بصاحبها..
أما الأستاذة الخطيبة سَكينة فقد أبدت رأيها قائلة:
لقد جعل الله خدمة الحسين (عليه السلام) أسيادا في الدنيا والآخرة على غيرهم بالخدمة وكان السيد باقر الفالي من السادة والخدام الذين سطع نجمهم في سماء الخدمة الحسينية ولم تخفت نجوميته حتى آخر أيام حياته فكل من وصل إلى النجومية في الطرح المنبري واشتهر في خطابه الحسيني مر بفترة فتور وضمور إلا بعض من أعلام المنبر الذين بقي نجمهم لامعًا طوال مسيرة حياتهم أمثال السيد باقر الفالي الذي ظل بحثه المنبري رصينا وكانت المادة التي يطرحها مادة متعوب عليها وكان السيد باقر يجمع بين الطرح التربوي والعلمي ويوازن في خطاباته بالدمج بين الترغيب والترهيب و يستعمل كل الأدوات التشويقيه التي تجسد معاني المواعظ التي كان يتطرق إليها بطريقة فنيه رائعة مع الإبتعاد عن السرد النظري والترف الفكري والفلسفي ، كان السيد باقر يركز على تذكير الناس بالموت والآخرة والتقوى ومخافة الله ، وها نحن نفتقد قامة من قامات المنبر الحسيني فإنا لله وإنا إليه راجعون..
أما السيد هادي المدرسي (حفظه الله) ققد قال: إنا لله وإنا إليه راجعون حقيقةً فقدنا علما من أعلام الخطباء رحمة الله عليه هذا الخطيب البارع المفوه الذي وفق لخدمة الحسين منذ نعومة أظفاره وهو يخدم المنبر الحسيني أكثر من خمسين عامًا كان يلهج بذكر الحسين نسأل الله أن يحشرهُ مع الحسين والله أكرم من عباده لذا نعزي أولاده ونجلاءه الكرام وعلى رأسهم نعزي صاحب الأمر بفقد من تركنا على هذه الأرض ونسأله أن يغفر لنا.
أما السيد مهدي باقر الفالي ابن الراحل فقد ذكر قائلًا: بسم الله الرحمن الرحيم والحمدلله الذي لايحمد على مكروه سواه رضا بقضاء الله وقدره والحمدلله على كل حال. الوالد رحمه الله كان راضيا بقضاء الله وقدره فعلى طوال تلك المدة وهو في مرضه لم أسمعه يومًا يشتكي من مرضه قط.. كان يفتخر بلقب خادم الحسين. ثم يضيف قائلاً: حقيقةً كان يحب هذا اللقب ونحن نرى إن هذا هو من عزة سيد الشهداء، ونسأل من الله أن نكون على هذا الطريق بعده.
وكان للشيخ علي المياحي تعزية خاصة أيضا ذكر بها: حين يموتُ خادمٌ تشتعلُ الخيامُ مرةً أُخرى في قلوبِ أربابِ العزاءِ، وتتوهجُ جمراتُ الخِبا فيُسبى الكمال، ويُثكلُ الجلال ، وتبكي عليه عيونُ ربَّاتِ الحِجال ...
وحينَ يموت خادمٌ تبكي عليه المدنُ التي كان يسقيها برثائه على مصائب من لم يسقوه ماءً وقضى عطِشًا جنبَ الفُرات ! وتنوحه المساجد ، والحسينيات ، والمواكب ، والمآتم ، والهيئات، وحتى المايكرفون ...
تنحب عليه المنابرُ ، والشعائرُ ، والمآثرُ ، والمنائر ... تنصب عليه مأتمًا وتقرأ : ( آه يحسين ومصابه ) ، (يحسين بضمايرنه ) ، (زينب يا غريبة ، الله شمصيبه) ، (گلي يالميمون) ...
وستبقى تندبه أبياتُ النعي ، ومقدمات القريض ، ومحاور البحث ، وشواهد الشعر ، ولطائف التفسير ، والقصة الشاهدة ، والگوريز ...
وداعًا سيد محمد باقر الفالي سيفتقدك المنبر كثيرًا ، وسيبكيك حديث_الكساء بدموع الشوق ، وستبكي عليك عيون المفجوعين على سبي زينب (عليها السلام) .
اخوك المفجوع بك. على المياحي..
أما الرادود أحمد صديق فقد قال:
برحيل السيد الفالي تذكرت موقفًا أيام طفولتي كنا نتلهف للجلوس أمام منبره ولم نبلغ العاشرة من العمر بعد لأنه كان متميزًا بسرده للقصص التاريخية خصوصًا عندما يصل المقام الى قصص غزوات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ودور أمير المؤمنين البطولي فيها لا أذكر أني حفظت إسم مرحب وتفاصيل غزوة خيبر أو غزوة الخندق وأسم عمر إبن عبد ود أو ذات السلاسل إلا منه وكان لنقله هذا الدور العظيم في تعلقنا العميق بشخصية واسم الإمام علي بن أبي طالب روحي فداه منذ نعومة اظفارنا بل وصل بنا الحال إلى تقليد السيد المرحوم أمام أهلنا حفظ الأبيات الشعرية والارتجازات وأذكر أن كنت ألح على والدي لأشتري سيفًا وأقف في صالة المنزل وأصرخ "أنا الذي سمتني أمي حيدرة" كان مجلس الكربلائي يبدأ الساعة 9:30 مساء ولكن والدتي كانت توصلني الساعة 7:15 لأن الحسينية كانت تمتلئ عن بكرة أبيها قبيل الساعة 8:00 فلكم أن تتخيلوا أننا كاطفال كنا نجلس أكثر من ساعتين ننتظر الخطيب ولم يكن هنالك أجهزة آيباد أو آيفون نتسلى بها وكان من المعيب أصلا أن نلعب في الحسينية قبيلة الخطيب فجرت العادة إننا كنا نتحدث عن محاضرات السيد ومحتواها ونستذكر القصص التي نقلها في الليلة السابقة وأحيانا كنا نتشاجر على صحة المعلومات خصوصاً في المسائل الخلافية وإثبات إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) فكانت الحالة الروحية لموسم عاشوراء والفاطمية وليال القدر لا توصف وأعتقد أنكم تستطيعون تصور كيف كان عيد الغدير؟...!
والكثير من الآراء وبطاقات التعازي الخاصة التي تقدم بها عشرات الخدم وهم ينعون ابن الزهراء الراحل محمد باقر الفالي تاركاً ورائه القلوب المؤمنة في غربة الحياة.
اضافةتعليق
التعليقات