يحدث أحيانا أن يعجب بك كل من حولك بينما أنت خارج من منابع الجهل والضلالة، ففي الوقت الذي اعتاد الناس على أخذ الانسان بصفة واحدة من صفاته، وأصبح في نظرهم إما خير لا شر فيه وإما شر لا خير فيه، متناسين أن كل فرد هو مجموع من الصفات المتناقضة والمتداخلة، فهي صفات تتناوب في الظهور، فالفرد قد يكون خيرا ولكن هذا لا ينفي الشر عنه بشكل مطلق، بل تغلبه أهواؤه أحيانا ليسلم لها زمام قيادته متحولا ذلك الخير القابع في زوايا نفسه إلى صفة سيئة تسيطر عليه على مدى أيامه المعدودة غير مدرك أي منزلة ينزل فيها فتمر عليه أيامه ظناً منه أنها خير مطلق حتى تصادفه لحظة صفاء ليدرك أنه نزل منازل السوء واستوى فيها في الوقت الذي يرى أنه وقف من الشيطان موقف احتراس وحذر، بينما هو نازعته النفس الأمارة بالسوء، غافلاً عن الفخاخ التي نصبها له الشيطان.
كمثل رجلٍ واظب على الصلاة في المسجد في الصف الأول أربعين سنة، فتأخر يوما مما جعله يصلي في الصف الثاني وطول فترة الصلاة كان خجلاً من الناس لأنهم رأوه في الصف الثاني فاكتشف بعدها أن صلاته هذه الأربعين في الصف الأول لم تكن لله بل للناس.
الغرور أعظم مدخل للشيطان!
يقال أن أي شيء تفعله أكثر من ثلاث مرات يصبح عادة، والعادة هي الشيء المألوف الذي يفعله الإنسان بدون تفكير ولا يشعر بضيق أو تعب، حتى تصبح هي عاداته اليومية التي لايستغني عنها، والعادات هي نتائج أفعال متكررة تصبح شيء من كيان الشخصية، ويجد بعضنا صعوبة في ترك بعض العادات ودون أن يشعر تطغي على شخصيته فتكون منه بذرة لمجتمع قادم، وهو ليس بالأمر السيء إن كانت هذه العادات ايجابية، ولكن الجريمة الحقيقية تكمن وراء تطور العادات السلبية لتصبح واقعاً، ومن أبغض هذه العادات هي الغرور في النفس البشرية، فالإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يعرف بعد المعصية ويدركها لذلك يزيد الله من صعوبة الامتحان للإنسان، فكلما اجتاز مرحلة دخل إلى أصعب منها ولعل هذا هو السبب فى أن الجنة درجات، والغرور أحد مداخل الشيطان، بل إنه أكبرها وهو يخرج من وعاء الجهل، لذلك أوصى لقمان ولده: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}.
وقارون اغتر بثروته: {قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِىٓ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِۦ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا}، فالغرور والجهل صنوان، فالجاهل لا يعرف ألاعيب إبليس فيصدها ولا مكائده فيبطلها ولا شباكه فيتجنبها، وهو لا يعرف الخير من الشر ولا السنة من البدعة، وربما يوقعه الشيطان في البدعة وهو يظنها سنة، وبهذا يكون من الخاسرين، كقول المولى عز وجل: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا *الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}، والغرور بالإنسان يغذي مداخل الشيطان، وينفث في داخله جمرَ الشرور.
فببساطة ليست القداسة أن تكون نورا وأنت نور، ولا الفخر أن تكون ناراً وأنت نار، وإنما القداسة والفخر أن تكون ناراً ونوراً وأنت تراب، وأن تسبح وتقدس وأنت قادر على الفساد والعدوان، فيقول عز وجل في محكم كتابه: {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها}، فالمعادلة البشرية خلقها الله لحكمة أن يصارع الخير الشر إلى يوم القيامة، لذلك نحن بحاجة لتزكية النفوس وتهذيبها، وتطهيرها من الأدران والرذائل، وتنقيتها من الأخلاق الدنيئة والشوائب، فقد أفلح من أعلاها بطاعة الله، وأظهرها، وقد خاب وخسر من أخفاها، وحقرها وصغرها بمعصية الله.
لذلك راقب أفكارك لأنها ستصبح كلماتك، وراقب كلماتك لأنها تصبح أفعال، وراقب أفعالك لأنها تصبح عادات، وراقب عاداتك لأنها تكون شخصيتك، ثم راقب شخصيتك لأنها ستحدد مصيرك، وهنا أنت تكون المسؤول عن باب آخرتك فإما تختار نعيم الله أو جحيمه، لذلك قال عز وجل: {ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}، فانظر ماذا ستقدم لدنياك من صفات ترسم معالم آخرتك.
اضافةتعليق
التعليقات